وزيرٌ مختصٌّ بتلقي السّباب

15 اغسطس 2021

وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك السوري عمرو سالم

+ الخط -

أشهدُ أن وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام السوري الجديدة، عَمرو سالم، رجل ذكي. يعرف عمرو أن أوسخ وزارة يمكن أن يُمنى بها أحدٌ ما، في أيام جوع الشعب، هي وزارته، ولذلك استهل عهده بتدوين عبارة وقائية على "فيسبوك" تقول: لن أعترض على شتائم، أو نقد، أو تجريح يخصّني شخصياً.
عندما يسبّ السوريون وزيرا ما، لا يكون شخص الوزير مقصوداً بذاته، فمثلاً؛ منذ أيام الثمانينيات، عندما ينقطع التيار الكهربائي عن إحدى المدن أو البلدات، تنطلق ألسنةُ الساهرين في مكان عام أو خاص لتسبّ، بالقلم العريض، على وزير الكهرباء، مع أن الطفل الخارج حديثاً من اللفّة يعرف أن أزمة الكهرباء جزء من بنية النظام السوري، لا يخفّف من حدّتها وزير كهرباء فهيم، ولا يزيد فيها وزير أخرق... وقد اختبأت في ذاكرتي، خلال إقامتي الطويلة تحت سلطة آل الأسد، حكايتان. الأولى، رواها لي صديق من السَّلَمية، أن مجموعة من أبناء بلده التقوا مع بعضهم، بالمصادفة، في مدينة ليون الفرنسية، وذات ليلةٍ كانوا يلعبون الورق في أحد المقاهي، وفجأة انقطع التيار الكهربائي، فأطلقوا بصوتٍ واحدٍ شتيمة على مدير كهرباء السَّلَمية. والثانية أن مجموعة من أبناء قرية عين لاروز في جبل الزاوية انقطعت عليهم الكهرباء، فسبّوا مدير كهرباء محافظة إدلب الذي توفي قبل بضع سنوات، وهم لا يعلمون بوفاته.
المهم في الموضوع أن السوريين يسبّون الوزير، أو رئيس مجلس الوزراء، أو مدير الكهرباء في المحافظة، لأن ذلك لا يؤدّي إلى مساءلة أمنية. هناك حادثة ذات دلالة، تعرّضتُ لها، أنا محسوبكم، في 1994، عندما تقدّمت إلى مديرية الإنتاج في التلفزيون السوري بمسلسل تدور أحداثه في دمشق خلال الحرب العالمية الأولى، بين عامي 1914 و1918. بطل المسلسل شاب فارّ من الحرب التي عُرفت باسم سفربرلك. وافقت لجنة القراءة على النص، واقتناه التلفزيون، ولكن كلما قرّرت المديرية إنتاجه، خلال الأعوام التالية، يرفع أحد المخبرين المتطوعين تقريرا إلى الجهات المختصة، يزعم فيه أن المسلسل يسيء لعلاقة سورية بتركيا، وأنه قد يؤدّي إلى أزمة دبلوماسية بين البلدين، سيما وأن قضية عبد الله أوجلان كانت طافية على السطح يومذاك. وكانت تلك ذريعة واهية، فالسبب الحقيقي لمنع إنتاج المسلسل أنه يسخر من حكم العسكر والمخابرات، ويصوّره بشكل هزلي. وذات مرّة، أراد أحد الأصدقاء أن يمازحني، فقال لي: الله يصلحك، يا خطيب، لماذا جعلت بطل القصة يهرب من حرب السفربرلك؟ فضحكت وقلت له: أكان عليَّ، برأيك، أن أجعله يهرب من حرب تشرين التحريرية؟ الجواب نفسه لا بد أن يخطر ببال مَن يُسأل لماذا سبّ على وزير التجارة الداخلية عمرو سالم فيقول: هل كنت تريدني أن أسبّ على القائد المفدى، مثلاً؟
لا يوجد في تاريخ الوزارات السورية المتعاقبة، منذ سنة 1970، إحصاء دقيق لرؤساء الحكومات والوزراء والمديرين العامين للشركات الكبرى الفاسدين، فهم الأكثرية. الأسهل أن يكتفي الناس بذكر أسماء الشرفاء الذين يعدون على الأصابع، وعليه، لن يكون مسلياً الحديث عن الخلفية غير النظيفة للوزير عمرو سالم الذي غادر وزارة الاتصالات في سنة 2007، بقضية فسادٍ على خلفية عقد مع شركة بوكو الصينية، وحجزت هيئة الرقابة والتفتيش أمواله المنقولة وغير المنقولة. الأمر المسلي، بالفعل، أن عمرو سالم، أصدر قراراً بإيقاف العمل بآلية "الربط المكاني المُؤَتْمَت" لتوزيع الخبز، وبعد ساعات قليلة تراجع عن قراره، وبدلاً من أن يعترف بوجود أزمة مواد غذائية خانقة في سورية، بما في ذلك الخبز، وأن تراجعه كان نتيجة ضغوط من المتنفذين المتضرّرين بالقرار، راح يحكي عن ضرورة احترام الدستور، وأنه أصدر القرار قبل أن يؤدّي قَسَم الوزارة... فتأمّل.

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...