04 نوفمبر 2024
وزيرات عربيات للثقافة
مفارقةٌ أن تسبق دولٌ عربيةٌ عديدة مصر في تعيين امرأة وزيرةً للثقافة. .. ما الذي جعل هذا الأمر يتأخر إلى حين تعيين عازفة الفلوت العالمية، إيناس عبد الدايم، قبل أيام، في هذا الموقع؟ فيما نساء كثيرات تولّيْن مثله في اليمن والأردن وفلسطين وسورية والجزائر والبحرين والمغرب وتونس (أين لبنان؟). يحكون في مصر إن ضغوط سلفيين منعت تعيين ملكة الصولو، كما يُخلع على إيناس عبد الدايم، وزيرةً للثقافة قبل عامين. ولكن، لم يكن لهؤلاء أي دالةٍ على الحكم في مصر في أزيد من ستين عاما، ولم يحدث أن تم اكتراثٌ بأمرٍ كهذا. وأن يُقال إن فاروق حسني توطّن له هذا الموقع نحو خمسة وعشرين عاما، فإن نجاح العطار أمضت المدة نفسها وزيرة للثقافة في سورية، بدأت في 1976، ولا حرج في الجهر هنا إنها من أكفأ من تسلموا هذا الموقع الرسمي بشأن الثقافة في كل البلاد العربية. عجيبٌ أن "تتخلف" مصر، ذات الدور والمكانة المعلوميْن، عن شقيقاتها، في "تمكين" المرأة المثقّفة والمتعلمة في مسؤوليةٍ رفيعةٍ كهذه، فيما حققت مصرياتٌ كثيراتٌ مراتب عالية المنزلة في التعليم والإدارة والإبداع والفنون.
أزاح وزيرٌ للثقافة، حُسب على الإخوان المسلمين، إيناس عبد الدايم، عن رئاسة دار الأوبرا، قبل خمس سنوات، غير أن غضبة مثقفين عريضةً أعادتها، والظاهر أن فنانة الكونسرفاتور تحظى بتقديرٍ واسعٍ من أوساط أهل الثقافة والفنون في بلدها، بدلالة استحسانٍ كبير استُقبل به تعيينها وزيرةً. وليس دسّا للأنف في شأن داخلي مصري أن يُشهر صاحب هذه الكلمات إعجابه بتولي امرأةٍ عليمةٍ في الموسيقى، وتحمل الدكتوراه بامتياز ومرتبة الشرف فيها من باريس، وزارة الثقافة في بلد عربي، سيما مصر. على أن من البديهي أن تسيير شؤون التنشيط الثقافي ومؤسساته المتنوعة، في بلدٍ في منزلة مصر، يحتاج إلى أهليةٍ خاصةٍ في التخطيط والإشراف والإدارة والمتابعة، الأمر الذي لا تشفع فيه معرفة العزف على الفلوت، أو أيٍّ من آلات النفخ والنقر.
لم تجترح حكومة مصر جديدا عربيا في تولية فنانةٍ وزارة للثقافة، فما إن هرب بن علي من رئاسة تونس إلى السعودية، حتى صارت مخرجة السينما، مفيدة التليلي، وزيرةً للثقافة، أسابيع فقط في الحكومة المرتجلة التي تشكلت في حينه، فكانت واحدةً من ثلاث نساء تولّيْن هذه الوزارة بعد الثورة، الأخيرة منهن مغنية الموروث التقليدي، ودارسة الموسيقى العربية، سنيّة مبارك. والوسطى، لطيفة لخضر، مؤرخةٌ وأستاذةٌ جامعية. وفي الجارة الجزائر، كانت وزيرة الثقافة السابقة، نادية لعبيدي، من أهل السينما، إخراجا وإنتاجا، وهي الحاصلة على الدكتوراه في الاجتماع. وقد خلفت في المنصب وزيرةً أقامت فيه 12 عاما، خليدة التومي التي تندّر الجزائريون وقتها بقلة إتقانها العربية، حتى اجتهدت وأجادتها، وقد عُرفت باستفزازها الإسلاميين. ولم تقترف أمرا عظيما لمّا شوهدت ترقص، في حفلٍ بسيط، رقصةً خفيفة الظل، تماما كما فعلتها وزيرة الثقافة اليمنية، الأديبة والباحثة والناشطة أروى عثمان، لمّا شاركت برقصةٍ فلكلوريةٍ في حفلٍ، في ذكرى ثورة سبتمبر في 2014، فغضب منها الحوثيون والسلفيون، وأشباه أولئك وأشباح هؤلاء، فيما اغتبط بها مثقفون رفيعون في بلدها، وسمّاها أحدهم "سيدة الفرح". وكان ذلك قبل أن ينحدر اليمن إلى ما نُشاهد. أما الأيقونة التي نحبّ، فنانة المسرح الكبيرة، ثريّا جبران، فقد صنع المغرب، الرسمي والمجتمعي والمدني، شأنا عظيما لمّا ولاها وزارة الثقافة، وإنْ أقلّ من عامين، وأظنّها أحسنت في عملها هذا، كما هو حضورها الرائق على خشبة المسرح.
الحقوقية أسمى خضر، والإعلامية لانا مامكغ، والإدارية نانسي باكير، في الأردن. والشاعرة مها قنوت، والأستاذتان الجامعيتان نجوى قصاب حسن ولبانة مشوح، في سورية. والناشطة تهاني أبو دقة والإعلامية سهام البرغوثي، في فلسطين. والمؤرخة، مي آل خليفة، في البحرين. والأستاذة سماح هدايا (الحكومة السورية المؤقتة).. كن وزيراتٍ للثقافة في بلادهن، حاولن واجتهدن، لهن ما لهن، وعليهن ما عليهن، كما زميلاتهُن الوزيرات، فنانات الموسيقى والمسرح والسينما. وهذه مصر تفطن، أخيرا، إلى ضم امرأةٍ إليهن، تنقلها من كرسي الفلوت إلى كرسي الوزارة.