هوامش على عام الحرب

05 مارس 2023
+ الخط -

أكملت الحرب في أوكرانيا قبل أيام عامها الأول، ويبدو أنها ستكون مفتوحة على الكثير من الأعوام بفعل غياب أي أفق للحل السياسي واستحالة الحسم العسكري بالنسبة لأيٍّ من الطرفين. الحرب التي كان مخططاً لها روسيّاً ألا تتعدّى الشهر تحوّلت إلى ما يشبه الحرب العالمية بعدما فشل المسعى الروسي في الوصول إلى العاصمة كييف سريعاً وإطاحة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وتنصيب حكومة موالية لموسكو.

وبعدما أيقن جميع الأطراف بأن الحرب طويلة، وضع كل منهم مجموعة من الرهانات التي لم تنجح أي منها إلى حد الآن في الضغط سواء على روسيا أو أوروبا لوقف الحرب أو الاحتكام إلى طاولة المفاوضات.

الرهان الروسي الأول كان عبر سلاح الغاز، وتقليص توريده إلى الدول الأوروبية، ما قد يؤدي إلى تراجعها عن الدعم المفتوح الدي تقدّمه إلى أوكرانيا. غير أن هذا الرهان لم ينجح، وها هو الشتاء الأوروبي يوشك على النهاية، من دون أن يكون لغياب الغاز الروسي تأثير كبير على الحياة اليومية. الدول الأوروبية استطاعت تأمين البدائل، غير أن تكلفتها كانت عالية، وانعكست حالة تضخّم تعيشها معظم الدول الأوروبية، غير أنها إلى اليوم لا تزال قادرة على التعامل معها.

الرهان الروسي الآخر كان على عدم قدرة أوروبا على احتمال استعار حرب على حدودها لفترة طويلة، مع ما قد تحمله هذه الحرب من تداعيات على الاستقرار النسبي الذي تعيشه القارة العجوز منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. هذا الرهان أيضا سقط في الامتحان العملي، وباتت الحرب في أوروبا أمراً طبيعياً. الأوروبيون يدركون حتمية عدم خسارة المعركة ضد روسيا. فأوكرانيا هي حائط الصد الأول عن سائر الدول الأوروبية، والحرب لا تعني أوكرانيا وحدها، فمصيرها سيؤثر على أوروبا بالدرجة الأولى والعالم بالدرجة الثانية.

أيضاً كان هناك تعويل روسي على تشكيل محور من الحلفاء لمواجهة المحور الغربي في الحرب، وكانت الأنظار الروسية تتجه بشكل أساسي نحو الصين، باعتبارها تقبع مع روسيا في الخندق نفسه بعدما وضعتها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في رأس قائمة أهدافها، متقدمة حتى على موسكو. غير أن حسابات التجارة والاقتصاد، والتي تأتي في مقدمة الأولويات الصينية، أبقت بكين بعيدة عن ساحة المعركة، واكتفت بالدعم السياسي لموسكو من دون الانخراط بشكل مباشر في الحرب أو التسليح. الأمر نفسه بالنسبة إلى إيران التي تشارك مع روسيا في الحرب السورية، إلا أنها في أوكرانيا اكتفت بالدعم السياسي، مع الانخراط نسبياً في التسليح بعد بيعها الطائرات المسيرة إلى موسكو، والتي استخدمتها في أكثر من مناسبة لقصف كييف.

في المقابل، كان هناك الرهان الغربي على نجاعة العقوبات الكثيرة التي فرضت على روسيا في دفع الرئيس فلاديمير بوتين إلى مراجعة حساباته، وسحب قواته من أوكرانيا. غير أن روسيا نجحت في التحايل إلى حد كبير على العقوبات، بمساعدة بعض حلفائها، واستمرت الحياة طبيعية في الداخل الروسي. فالتعويل الغربي على قوة العقوبات وتأثيرها على الشارع الروسي، وبالتالي دفعه للتحرك ضد نظامه، لم يراع أن غالبية الروس ينظرون إلى هذه الحرب بأنها معركة وجودية، تماماً كما يراها بوتين وفريقه، فخسارة الحرب في أوكرانيا تعني نهاية روسيا كقوة سياسية صاعدة على الساحة الدولية، وتحولها إلى واحدة من الجمهوريات الهامشية على أطراف أوروبا، وحتى خسارة استقلاليتها، لذا فإن النظام الروسي لن يتوانى عن استخدام كل الأسلحة الممكنة لإبعاد مثل هذا السيناريو.

هذه الرهانات الفاشلة، روسياً وغربياً، وضعت هذه الحرب على سكة التحول إلى أطول الحروب في أوروبا.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".