هل تسحب روسيا قواتها من سورية؟
مع إطالة مدّة الحرب المشتعلة في أوكرانيا، بدأت تصريحات وتحليلات توحي بأن القوات الروسية الموجودة على الأرض السورية قد بدأت بالتململ، وتزامن ذلك مع بدء تحرّكات على الأرض تفيد بأن بعض هذه القوات يتحضّر للرحيل، وبعضها قد اتخذ العدّة كاملة للمغادرة على الفور، فصدرت عن ملك الأردن، عبد الله الثاني، تخوّفات من انفلات الوضع في الجنوب السوري، ما يؤدّي إلى سيطرة للمليشيات التابعة لإيران فيما لو غادر الروس، وأٌعلنَت بالفعل مصادرة شحنة مخدّرات كانت متجهة إلى الأردن. جاءت المؤشّرات الأخرى من الشمال في ريف اللاذقية، فقد قيل إن قوات روسية غادرت بعض نقاط تمركزها في جبل التركمان. تدرك روسيا أن وجودها في سورية هو الضمان الوحيد للأسد، فقد سبق أن تدخل الروس، في اللحظة الأخيرة، لإبقائه. والآن، مع ازدياد مساحات الاشتعال في أوكرانيا واستهلاك مقدّرات روسيا، هل يمكن أن تتخلّى روسيا عن مشروعها الذي استثمرت فيه سياسياً وعسكرياً واقتصادياً في سورية، لتركّز عملها الأساسي وتدعم مركزها في أوروبا؟ قد لا يبدو هذا الخيار معقولاً أو منطقياً الآن، رغم تداول تلك التقارير معلوماتٍ عن مغادرة الروس. وهناك في المقابل مؤشّرات عملية تفيد بأن روسيا لم تتخلَّ عن حلمها بوضع قدم دائمةٍ على الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط.
على جانب آخر، اعتادت إسرائيل أن تتحرّك في الأجواء السورية بحرّيةٍ تامة، بعد التوغل الإيراني هناك، فإسرائيل تطلق الصواريخ العابرة للحدود، وتحلق طائراتها فوق الأجواء والأهداف السورية الإيرانية، من دون أدنى اعتراض من أحد. وقد يصل الأمر إلى التفاهم الكامل بينها وبين الروس، لتنسيق مثل هذه الضربات. وعلى الرغم من كثافة الهجمات الإسرائيلية، تتعايش جميع القوات داخل سورية مع هذه المعادلة، وتتفهمها وتدرك محتواها، وتلزم حدودها تجاهها، وقد نفذت إسرائيل خلال العام الحالي وحده سبع ضربات جوية متنوعة بالصواريخ الموجهة أو الطائرات. الاستثناء الوحيد الذي حدث أخيراً، أن روسيا، بشكل شاذ، قد شغّلت بطاريات صواريخ موجهة نحو الطائرات الإسرائيلية المهاجمة، ومن المؤكد أن روسيا ليست في وارد الدفاع عن منشآت أو تجمعات قوات إيرانية في سورية، ولا افتعال مواجهة غير مضطرّة إليها حالياً. أما الصاروخ الذي أطلقته، فهو رسالة إلى كل من يهمه الأمر، ومنهم إسرائيل، بأنها موجودة على الأرض، وتستطيع أن تطلق الصواريخ. ويُفهم منه أيضاً أن روسيا تنوي البقاء. وهنا ليس على إسرائيل أن تقلق أو ينتابها التردّد من هجماتها على إيران، فهذه الهجمات من غير المتوقع أن تتوقف، ولكن إسرائيل ستأخذ في اعتبارها أن روسيا موجودة بشكل فعّال ومؤثر.
أرادت روسيا أن تؤكّد مشروعها في سورية الذي بدأ بإرسال الطائرات، ثم بالمساندة بالقصف والتدمير لتثبيت الأسد، وأنه لا يتعارض مع مشروعها في أوكرانيا. ويبدو أنها التقطت بعض اللغط الدائر بشأن وضعية قواتها في سورية، فخرج وزير خارجيتها، في مقابلة مع قناة روسيا اليوم، ليقول إن روسيا باقية في سورية. وعن عدد قواتها المتغير، قال إن القوات تحدّدها المهمات على الأرض. وأفاد بأن جيش النظام يقوم بمهماتٍ أكبر في مجالات الأمن، ويقتصر الدور الروسي على الدعم، ولم ينسَ، بالطبع، أن يقول إن الجيش الروسي موجودٌ بطلب من حكومة سورية "الشرعية". ألمح لافروف إلى نوعٍ من مبادلة القوات، أو نقلها مؤقتاً من سورية، ولكنه أكد هدفها النهائي بالبقاء. فروسيا، بنظامها الاقتصادي والعسكري والسياسي الحالي، ما زال لديها القدرة على تحمّل مزيدٍ من الخسائر، وقد حوّلت حربها الحالية إلى شأن قومي لكسب الشارع. والملفان في سورية وأوكرانيا يخدمان قضية واحدة بالنسبة إلى بوتين، محاولة القفز على الواقع، وإثبات أن روسيا يمكن أن تكون قوة عالمية حاسمة كما كانت من قبل.