هل تخطّط إسرائيل لحربٍ وقائية؟

23 ابريل 2023
+ الخط -

كثر الكلام الإسرائيلي عن حاجة إسرائيل إلى الإعداد لضربة عسكرية محدودة أو حرب وقائية ضد أعدائها، ردّاً على التطور الخطير في نظرها الذي طرأ، أخيرا، على المواجهة بينها وبين خصومها كما تجلى في القصف الصاروخي الذي تعرّضت له في آن واحد من عدة جبهات: من جنوب لبنان ومن قطاع غزّة ومن الجولان السوري في أعقاب المواجهات العنيفة بين الشرطة الإسرائيلية وفلسطينيين في المسجد الأقصى. وقد جسّد ما حدث ما تتخوف منه إسرائيل من توحيد ساحات المواجهة ضدّها، وكان نموذجاً مصغّراً عما يمكن أن تكون عليه الحرب متعدّدة الساحات التي قد تندلع في حال حدوث تصعيد أمني كبير، سواء في غزّة أو القدس أو الضفة الغربية. وما جرى كان دليلاً على الربط بصورة موثوقة، وربما للمرّة الأولى هذه المرة، بين المقاومة الفلسطينية في الضفة وغزة وحزب الله في لبنان والمليشيات الموالية لإيران في سورية.

خطورة الوضع وتعقيده دفعا محلّلين إسرائيليين إلى المقارنة بين الوضع الحالي والظروف عشية حرب الأيام الستة في يونيو/ حزيران 1967، حين كانت إسرائيل تعاني من أزمة اقتصادية خانقة نتيجة الانكماش الاقتصادي، ما أدّى إلى حركة احتجاج شعبي وتظاهرات وموجة نزوح كبيرة عن إسرائيل. بالإضافة إلى المصاعب التي كانت تمرّ بها العلاقات بين إسرائيل وفرنسا، أهم حليف لها في ذلك الوقت، وضعف الحكومة الإسرائيلية التي كان يترأسها حينها ليفي أشكول، الأمر الذي زاد ثقة المعسكر العربي المعادي لإسرائيل حينذاك، بقيادة الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وشجّعه على تحدّي إسرائيل واستفزازها، الأمر الذي دفع إسرائيل إلى شنّ حرب على أكثر من جبهة، غيّرت بصورة جذرية موازين القوى في المنطقة.

يرى إسرائيليون أن الأجواء السائدة اليوم قد تبدو مشابهة، من انقسام المجتمع الإسرائيلي إزاء الإصلاحات القضائية، وتسلّل التصدّعات والخلافات السياسية إلى داخل الجيش نفسه، وتوتر العلاقة بين الحكومة اليمينية برئاسة نتنياهو والإدارة الأميركية، أدّى ذلك كله إلى شعور لدى أعداء إسرائيل بأن الفرصة سانحة لمهاجمتها وضربها وإضعافها، ما ساهم في إعادة مقولة الخطر على وجود إسرائيل وضرورة الاستعداد لشنّ حرب وقائية، هدفها استرجاع إسرائيل قوتها على الردع، من خلال تكبيد أعدائها خسائر كبيرة، ومنع الربط بين الساحة الفلسطينية بالساحة الشمالية مع لبنان وجبهة الجولان التي تزعم إسرائيل أن إيران هي التي تقوده، وتوجيه ضربةٍ قاصمةٍ للوجود العسكري لإيران ووكلائها في المنطقة على طريق محاولة كبح التقدّم الإيراني نحو الحصول على القنبلة النووية.

ورطة تجد إسرائيل نفسها في مواجهتها مع خصومها وتخبّط وغياب استراتيجيا واضحة في ظل حكومة يمينية لديها أجندة داخلية بالدرجة الأولى، هي تغيير صورة دولة إسرائيل

هل معنى الحديث الإسرائيلي عن الحاجة إلى شنّ حرب وقائية إعلان فشل "المعركة بين الحروب" التي تخوضُها إسرائيل منذ سنوات ضد التمركز الإيراني العسكري والمليشيات الموالية لها في سورية؟ لكن السؤال الأساسي الآخر: ماذا يعني مفهوم حرب وقائية في زمن الصراعات الحالية المسلحة التي شهدت تغيّراً جذرياً، وتحوّلت من حربٍ نظاميةٍ جبهويةٍ بين جيوش تابعة لدول إلى حرب عصابات وحروب بالوكالة تخوضها مليشيات مسلحة متغلغلة وسط السكان المدنيين، وليست لديها قواعد ثابتة كبيرة وأغلب قواعدها تحت الأرض؟

شكّلت حرب تموز في لبنان صيف 2006 نموذجاً لمثل هذه المواجهة التي، على الرغم من عدم التكافؤ بين القوة العسكرية للجيش الإسرائيلي وقوة حزب الله، انتهت بالتعادل، وكان من المستحيل على الجيش الإسرائيلي حسمها بصورة قاطعة.

وماذا تعني الحرب الوقائية التي استخدمتها إسرائيل في حرب 1967 من خلال الهجمات الجوية الصاعقة التي شنّتها على الطيران الحربي المصري، ما أدّى إلى شله منذ الأيام الأولى للقتال، مع التحدّيات التي تهدد التفوّق الجوي الإسرائيلي في مواجهة الأنواع الجديدة من الأسلحة التي لم تكن متوافرة سابقاً، مثل المسيّرات الهجومية القادرة على التسلّل إلى أراضي الخصم وضرب أهدافها بدقة، وأساليب الحرب السيبرانية التي من شأنها التشويش وعرقلة عملية الرقابة والتحكّم وزرع البلبلة وشلّ عمل البنى التحتية الحياتية؟

من الصعب أن نرى نتنياهو اليوم يدخل في مغامرة عسكرية جديدة على أكثر من جبهة، يعلم أنه لا يضمن نتائجها

ومن أهم مبادئ الحرب الوقائية نقل المواجهة بسرعة إلى أراضي العدو، وإبعادها عن الجبهة الداخلية، بينما من الواضح، منذ اللحظة الأولى لاندلاع مثل هذه الحرب، أن جبهة إسرائيل الداخلية وبناها التحتية ومنشآتها الاستراتيجية ستكون عرضة للضرب، سواء بواسطة الصواريخ الدقيقة التي لدى حزب الله، أو المسيّرات الهجومية الإيرانية التي زوّدت بها إيران حلفاءها في المنطقة، ومن الصعب كشفها وأن تسقطها منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية على اختلاف أنواعها، ولا سيما في مواجهة هجوم صاروخي على أكثر من جبهة وفي وقت واحد.

والسؤال الأهم: ماذا ستستهدف الحرب الوقائية؟ الترسانة الصاروخية لحزب الله في لبنان؟ المليشيات الموالية لإيران المتمركزة في سورية؟ حركتا حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة؟ أو منشآت نووية في إيران نفسها؟ بالطبع، لا إجابة شافية وقاطعة. لكن ما يدور في إسرائيل من جدل بشأن هذه المسألة والسيناريوهات التي يجري الحديث عنها هناك يشير فعلاً إلى الورطة التي تجد إسرائيل نفسها في مواجهتها مع خصومها والتخبّط وغياب استراتيجيا واضحة في ظل حكومة يمينية لديها أجندة داخلية بالدرجة الأولى، هي تغيير صورة دولة إسرائيل، بحيث تصبح دولة قومية دينية، والقضاء على الحلم الفلسطيني بدولة مستقلة، حتى لو أدى هذا إلى تحويل إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية. فضلاً عن أن نتنياهو نفسه خلال الحكومات الكثيرة التي ترأسها لم يتّخذ يوماً قراراً بشنّ حرب من أيّ نوع، بل خاض عمليات عسكرية محدودة ضد الفلسطينيين. ومن الصعب أن نراه اليوم يدخل في مغامرةٍ عسكريةٍ جديدةٍ على أكثر من جبهة، يعلم تماماً أنه لا يضمن نتائجها.

رندة حيدر
رندة حيدر
رندة حيدر
كاتبة وصحافية لبنانية متخصصة في الشؤون الإسرائيلية
رندة حيدر