هل تتّجه تونس إلى انتخابات رئاسية؟

15 ابريل 2024
+ الخط -

الأرجح أن تشهد تونس هذه السنة انتخابات رئاسية، رغم أنّ العديدين يشكّكون في إمكانية انتظامها بغضّ النظر عن مناخاتها وشروط عقدها. ما يستند إليه هؤلاء أنّ أيّ موقف رسمي لم يُؤكّد أنّ الانتخابات ستعقد من حيث المبدأ، باستثناء إشاراتٍ عابرةٍ صرّح بها أعضاء الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات توحي بأنّها تستعدّ لانتخابات رئاسية في آخر ثلاثية العام الحالي (2024)، بل إنّها، وقد أكملت مهمّتها المتعلقة بالانتخابات المحلية والجهوية قبل أسابع قليلة، جاهزة لإدارة الانتخابات الرئاسية. ويضيف آخرون جملة من الحجج التي تعود إلى تصريحات الرئيس قيس سعيّد التي عبّر فيها غير مرّة أنّه لن يسلّم أمانة البلاد إلا لمن كان وطنياً. والحال أنّه لا يرى هذا الشخص المناسب أمامه، لأنّه لا يدرك في النخب السياسة إلا عصابات من الفاسدين. وتحدب هذه الصورة القاتمة حدّ الشيطنة عنه إمكانية أن يطمئنّ إلى شخص آخر، حتى لو أفرزته انتخابات، إن جرت أصلاً. 
وفي غياب المحكمة الدستورية، سيظلّ الرئيس، كما أكّد شخصياً غير مرّة، الوحيد المسؤول عن فهم الدستور وتطبيقه وهو الذي صاغه. لقد مارَسَ وظيفة المؤول الوحيد لدستور 2014، وبمقتضى فهمه "المعنى الحقيقي" للفصل 80 منه، أعلن حلّ البرلمان السابق والحكومة، حتى انتهى لاحقاً إلى تعليق الدستور وإلغائه. قياساً على هذه السابقة، وفي غياب المحكمة الدستورية، سيظلّ الرئيس هو المؤول الوحيد لدستور 2022، و يمكن أن يُمدّد في عهدته، إذا ما استشف أنّ خطراً داهماً يهدد البلاد، والأخطار الممكنة عديدة في اعتقاده؛ من أعداء الداخل، وهو الذي يخوض، كما يقول في جلّ خطاباته، حرب تحرير وطنية ضدّهم، إلى إمكانية أن يستحضر جملة التهديدات الأخرى، على غرار عدم الاستقرار الأمني على الحدود الليبية والجماعات الإرهابية النائمة، رغم الضربات القاتلة التي وجّهتها إليها قوات الأمن والجيش التونسيتان.

بنى قيس سعيّد كلّ مساره على ركن صلب لا يستطيع أحد أن يزعزعه، وهو الشرعية الانتخابية التي منحته بشفافية ونزاهة تولي منصب رئاسة الجمهورية

لا يستبعد هؤلاء أن تكون كلّ هذه العلل حججاً لتأجيل الانتخابات إلى وقت غير محدّد، غير أنّ الأمر ليس بمثل هذه السهولة التي يتصوّرها أصحاب هذا الترجيح، فالرئيس بنى كلّ مساره على ركنٍ صلبٍ لا يستطيع أحد أن يزعزعه، وهو الشرعية الانتخابية التي منحته بشفافية ونزاهة تولي منصب رئاسة الجمهورية. لم يأتِ الرئيسُ على "ظهر دبابة" ولم يسرق فوزه الانتخابي من صناديق اقتراع مزوّرة. خاض انتخابات لم تشكّك فيها المعارضة، ولم يقدح فيها خصمه آنذاك (نبيل القروي) الذي التقاه في سباق انتخابي كانت الدورة الثانية مضماره. سلّم الجميع بالنتيجة التي فاز فيها بانتخابات شهد أيضاً العالم بنزاهتها ولم تتحفّظ عليها المنظمات والهيئات المختصّة في مراقبة الانتخابات تلك. لاحقاً شكّك الرئيس في نزاهة تلك الانتخابات، وذكر فساد المال الانتخابي الذي تعهّد بمحاربته لاحقاً، ولكنّ الأرجح أنّه كان يقصد المناخ الانتخابي العام الذي تلاعب بإرادة الناخبين، ولم يقصد نتائج الصندوق النهائية. هذه الشرعية الانتخابية هي التي تمنحه سلطة تأويل واسع للحياة السياسية برمّتها، على اعتبار أنّ الشعب فوّض إليه كلّ السلطات، أو بالأحرى فوّض الشعب أمره للرئيس الذي انتخبه، لذلك يتماهى الرئيس مع الشعب حتى يكاد يقول استناداً إلى رؤاه السياسية ونتائج الانتخابات تلك إنّه هو الشعب. ثمّة تمجيد للشعب إلى حدّ التأليه في خطاب الرئيس، فالشعب هو إرادة وبراءة وصفاء وأمانة ورسالة... إلخ. لذلك سيفقد الرئيس كلّ تلك الشرعية القانونية والمشروعية الأخلاقية التي ظلّ يتباهى بها ويستند إليها في كلّ الإجراءات التي قام بها، ولو أنّها شكّلت لدى بعضهم انحرافات خطيرة حادت أصلاً بمهامّه ووظائفه، والتعهدات التي بموجبها انتُخِب. لقد عاد بالبلاد إلى مربّع التسلّطية فضلاً عن نكس مسار الانتقال برمّته.

تمجيد للشعب إلى حدّ التأليه في خطاب الرئيس، فالشعب هو إرادة وبراءة وصفاء وأمانة ورسالة

وفي الحالات كلّها، ستكون الانتخابات الرئاسية المقبلة للرئيس فرصة ثانية لتأكيد الشرعية وتجديدها. لا يشكّ الرئيس مطلقاً في احتمال فقدان تلك الشرعية، ولا يضع نفسه محلّ اختبار، فالقناعة حاصلة لديه أنّه ما زال يحظى بشعبية مطلقة. لا تحرجه التسريبات التي تصدر بين حين وآخر عن بعض مكاتب لاستطلاع الرأي العام، وجلّها نكرة، خصوصاً مع العزوف عن إجراء مثل هذه الاستطلاعات في مناخ الخوف والتشديدات القانونية التي نصّت عليها التشريعات الجديدة. يردّ الرئيس على هذه المعلومات بأنّها تضليل مأجور لمواصلة التنكيل بالشعب والسطو على سيادته. 
على هذا النحو، الأرجح أن يتمسك الرئيس بهذا الركن الذي منحه كامل الشرعية لممارسة كلّ مهامّه من دون أن تواجهه أدنى الإحراجات القانونية، بغضّ النظر عمّا يمكن أنّ يشكّل انحرافاً سياسياً أو قانونياً في كلّ ما أتاه خلال عهدته التي تنتهي صلاحيّتها في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، إذا كان لنا الحقّ بالتأكيد أن نؤول جملة التشريعات المتعلقة بالانتخابات الرئاسية، التي ندرك أنّ لبعضهم تأويلات مخالفة تذهب أصلاً إلى جعل ولاية الرئيس لا تنتهي في تلك الآجال. الأسابيع المقبلة كفيلة بتبديد كلّ هذا الغموض الذي يحيط بالانتخابات الرئاسية المقبلة.

7962F3C9-47B8-46B1-8426-3C863C4118CC
المهدي مبروك

وزير الثقافة التونسي عامي 2012 و2013. مواليد 1963. أستاذ جامعي، ألف كتباً، ونشر مقالات بالعربية والفرنسية. ناشط سياسي ونقابي وحقوقي. كان عضواً في الهيئة العليا لتحقيق أَهداف الثورة والعدالة الانتقالية والانتقال الديموقراطي.