هل اقترب الحل اليمني؟
لا معلومات حاسمة حتى اللحظة حول نتائج الجهود العُمانية لدفع الحوثيين إلى التجاوب مع مبادرة وقف إطلاق النار، والتمهيد لبدء عملية سياسية يمنية. على الرغم من ذلك، انخراط مسقط المباشر، عبر إيفاد وفد إلى صنعاء ولقاء زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، ومن ثم زيارة وزير الخارجية بدر البوسعيدي إلى الرياض، يعني الكثير. مسقط، التي اكتسبت لقب عرّابة الصفقات الكبرى في المنطقة بسرّية تامة، خصوصاً بعد الدور الذي أدته في المفاوضات الإيرانية الأميركية قبل التوصل إلى الاتفاق النووي في عام 2015، تستضيف منذ سنوات وفداً حوثياً لديها يتولى التفاوض مع الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، سواء مباشرة أو غير مباشرة. وبالتالي، يصعب الاعتقاد بأنه ليس لديها تأثير أو نفوذ على الحوثيين، أو عرّابتهم إيران، خصوصاً أن للسلطنة أدواراً أخرى بعيدة عن الإعلام، تجعل من غير الوارد بالنسبة للحوثيين إغضابها أو إحراجها سياسياً، خصوصاً بعدما قرّرت الدخول علناً على خط نقل الرسائل بين الرياض والجماعة. ويوحي ذلك كله بوجود مسودة اتفاق يتم إعدادها، وما يجري محاولة وضع اللمسات الأخيرة عليها. طبعاً، من دون أن يعني ذلك أن الاتفاق واقعٌ لا محالة، فالمفاجآت واردة، ولا شيء مضمون لوقف الحرب اليمينة المستمرة منذ أكثر من سبع سنوات، خصوصاً أن مصالح أكثر من طرف يمني تلتقي عند استمرارها لا إنهائها. لكن على عكس المرات السابقة التي بُذلت فيها مساعٍ لوضع حد للمعارك، وفتح طريق لوقف إطلاق النار والمفاوضات السياسية، تحظى هذه الجهود بموافقة سعودية أولاً، وإصرار أميركي ثانياً. وما زيارات المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ إلى مسقط والرياض، والتي تسير جنباً إلى جنب مع الجولات المكوكية للمبعوث الأممي مارتن غريفيث، بما في ذلك طرقه أبواب طهران مرتين في وقت قصير، سوى دليل إضافي.
وإذا كان وقف أي حربٍ يفرض عملياً أن يُبنى الاتفاق على قاعدة "لا رابح ولا خاسر"، فإن هذا الأمر غير واقعي فعلياً في هذه الحرب، بعد الضربات التي تلقتها السعودية من الحوثيين والمستنقع الذي أغرقت نفسها فيه، خصوصاً بعدما تحوّلت حليفتها الإمارات إلى منافس لها على النفوذ والسيطرة في اليمن للمرة الأولى منذ عقود. و"أنصار الله" يدركون ذلك، ويسعون إلى تحقيق أمرين. الأول الظهور بمظهر "المنتصر" عبر فرض شروطهم، وهو ما يفسّر البيان الذي خرج به ما يسمى "المجلس السياسي الأعلى"، متحدثاً عن مبادئ ثلاثة تتمثل في "رفع الحصار، ووقف العدوان جواً وبراً وبحراً، وإنهاء الاحتلال وخروج القوات الأجنبية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لليمن". وإذا كان رفع الحظر عن ميناء الحديدة وفتح مطار صنعاء في أي اتفاق أصبح في حكم المؤكّد مع تلاشي الشروط التي كانت موضوعة سابقاً حول فتح المطار وتحديد وجهات محددة يتم السماح باستقبال الطائرات الوافدة منها أو المغادرة إليها، فإن باقي القضايا المطروحة، تحديداً خروج القوات الأجنبية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، مسائل أعقد بكثير من مجرد عباراتٍ خطّت في بيان. ويعي الحوثيون أكثر من غيرهم ذلك. أما النقطة الثانية التي يعملون عليها فتتمثل بعدم الظهور وكأنهم قدّموا أي تنازلاتٍ في مقابل فتح مطار صنعاء والموافقة على المفاوضات السياسية. وهذه النقطة أيضاً للاستهلاك الداخلي، وشد عصب "الأنصار" لا أكثر. أي اتفاق أو تهدئة مؤقتة أو بادرة حسنة نية، أو مهما كانت التسمية النهائية لما ستشهده الأيام المقبلة، يعني حكماً أن معركة مأرب ستتوقف، وبالتالي كل مساعي الحوثيين لوضع يدهم على المحافظة وإحكام سيطرتهم على المناطق الشمالية، وتعزيز موقعهم في المفاوضات السياسية ستذهب أدراج الرياح، وستُفتتح مرحلة جديدة عنوانها الكباش اليمني – اليمني، والتي يرجّح أن تكون الحكومة الشرعية والرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الحلقة الأضعف فيها.