هذه الكتب... أولئك الأصدقاء

05 سبتمبر 2014
+ الخط -

يشيعُ، منذ أيام، في "فيسبوك" سؤالٌ عن أكثر عشرة كتب أثَّرت فيك وتأثَّرت بها، أَغرى عديدين، فشاركوا في الإجابة عليه. ويحدث أن تعثر على نباهةٍ في بعض الإجابات، وفي أخرى، تلقى استعراضيةً طريفة، أَحياناً، من قبيل أَن تُصادف من تعرف أنه بالكاد سمع باسم نجيب محفوظ عرضاً، يعلن عن تأثيرٍ لكتاب كارل ماركس "رأس المال" عليه. وهو كتابٌ أَصدره المفكر الشهير في ثمانية مجلدات، ونُشر بعد وفاة ماركس، مجلدٌ تاسع له. وأظن أَن أجزاءَ مختصرة منه صدرت بالعربية، أَول مرة، بترجمةٍ غير موثوقة، قبل أن تصدر، أخيراً، ترجمةٌ جديدة له بالعربية في ثلاثة أجزاء، أحسبها موثوقة، أنجزها العراقي فالح عبد الجبار. وأحلفُ، هنا، بأغلظ الأَيْمان أَن قليلين جداً من المثقفين والقراء العرب اطّلعوا على هذا الكتاب، العويص فيما أعلم، حتى من عتاة الشيوعيين العرب، غير أن في وسع كثيرين أَن يتحدثوا عن الماركسية من دون حاجةٍ إلى الرجوع إلى مظانّها، لوفرة ما انكتب عنها، وكيفما اتفق غالباً.
ليس مفهوماً سبب اختيار اسم "تحدّي الكتب" لوجهة السؤال أَعلاه، وفي محله، تعقيب مثقفٍ لبناني، بشأن أي معنىً للتأثر والتأثير هنا. وفي الوسع أَن يحدس المرء أَن المسألة تتعلق بانعطافاتٍ، أو تحولاتٍ، شخصيةٍ أحدثها هذا الكتاب أو/وذاك لدى قارئه، بمعنى أَنه جعلك تنصرف إلى خيارٍ فكري دون آخر، أَو أوجد فيك شغفاً بنوعٍ من المعرفة دون غيره، أو ذهب بك إلى تغييرٍ ملحوظ في سلوكك، إلى غير ذلك من أمور مشابهة. ولمزيدٍ من تعميق المطروح، هنا، وتجليتِه، بدهيٌّ أن الإنسان يكون في يفاعته، أو قبلها، أكثر قبولاً لذلك، ومع تقدمه في السن، يصبح الأمر صعباً. ولمزيدٍ من إيضاح الواضح هنا، فإن قراءات مرحلة الصبا والتلمذة المدرسية تختلف عما يختاره الإنسان لمطالعته تالياً. وأُخمّن أن من أطلقوا ذلك "التحدّي" في "فيسبوك" يفترضون هذا الأمر، وإنْ بدا، فيما طافت عليه عيناي، من بعض إجاباتٍ على سؤال الكتب العشرة، أن أصحابها آثروا الذهاب إلى الكلام الثقيل عن كتب ثقيلة، من قبيل "تفسير الأحلام" لفرويد ومقدمة ابن خلدون.
هو كتابٌ أصغر من حجم الكف، اسمه "الإنسانية والحرية والجمال في أدب العقاد"، لمؤلفته نعمات أحمد فؤاد. كنت في صيفٍ انتقالي من الابتدائية إلى الإعدادية، لمّا وقع بين يدي، ثم انعطف بي إلى ولعٍ، في حينه، وإعجابٍ ما زال مقيماً، بعباس محمود العقاد. صرفني ذلك الولع إلى تطرفٍ (طريف!) في إيثار العقاد على طه حسين، بل وربما التبخيس الطفولي الساذج من صاحب "الأيام"، أَحياناً. واستغرقتُ المسألة وقتاً لدي، حتى استويتُ على الحق، ليأخذ مني طه حسين ما يستحقه من مكانةٍ استثنائية، وأؤكد، هنا، أَنه أعلى كعباً في الثقافة العربية من العقاد. وهي رواية التركي يشار كمال البديعة "ميميد الناحل"، أظنها طافت بي في عوالمَ بهيجة، وجعلتني أبدو (متأثراً؟) بالروح الفروسية لدى الفتى الرعوي بطل الرواية، وكان قاطع طريقٍ نبيلاً. وهي "الشمس في يوم غائم" لحنا مينة، دفعت بي إلى مزيدٍ من حب قراءة الرواية، ولا سيما أنه ما زال صديقي بطلُها الفتى الذي تعلم الرقص عند خياط في الحارة. وما زالوا أَصدقائي، رجب بطل عبد الرحمن منيف في "شرق المتوسط"، وياسين في ثلاثية نجيب محفوظ، والبدوي الذي زار أوروبا لجمعة حماد، وراسكولينكوف في "الجريمة والعقاب" (أو محمود ياسين في فيلم "سونيا والمجنون")، وسعيد المتشائل لدى إميل حبيبي. وثمّة "الخطاب العربي المعاصر" لمحمد عابد الجابري، كتابٌ أتحدّى فيه سؤال "فيسبوك"، وحده يكفي، فلم أَجدني يوماً مدفوعاً إلى قراءة ماركس وفرويد وابن خلدون، ولم أشعر بأي غضاضة، وهذه مناسبةٌ لأشهر، هنا، جهلي بالغضاضة، ما هي بالضبط.

 

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.