هذا تواطؤ الغرب... فماذا عن الآخرين؟

13 ديسمبر 2023

(فريد بلكاهية)

+ الخط -

لا يقصّر من يهجو صبحاً ومساءً الفضيحة السياسية والأخلاقية لعدد كبير من حكومات الغرب في دعم المجزرة الإسرائيلية المرتكبة بحق قطاع غزّة. كذلك، لا مبالغة في استحضار أشد الأوصاف سلبية لدى تقييم الموقف العربي الرسمي بغالبيته الساحقة. لكن الهجاء مثل الوصف، يصبحان أحياناً كتبشير المؤمنين. كذلك فإنّ العالم مثلما يخبروننا عن حقّ، لا يقتصر على أميركا وأوروبا الغربية وبلدان أخرى حليفة لواشنطن، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا. العالم فيه روسيا والصين والهند وتركيا وإيران، وفيه أميركا اللاتينية المتعاطفة بغالبيّة عواصمها مع الفلسطينيين، لكنها ضئيلة النفوذ السياسي والاقتصادي، على الأقل في ما يتعلق بمنطقتنا، وهو ما يسري على جنوب أفريقيا مثلاً. إذاً، هناك وجاهة في بذل بعض الجهد بحثاً عن روسيا والصين والهند وتركيا وإيران وسط المجزرة الفلسطينية الحالية.

البداية من الأسهل، الهند، فقد قطعت أوهام المتوهمين سريعاً، وذكّرت العالم بأن حكومتها اليمينية الهندوسية المتطرّفة يمكنها أن تكون صهيونية أيضاً من دون أن تكون يهودية، إن استعرنا التعبير الشهير من جو بايدن. سارعت إلى الجزم بحقّ إسرائيل في فعل ما تشاء تحت شعار "حقّ دفاعها عن نفسها"، وتفرّغت للتحسّر على التأجيل الطويل لمشروعها التجاري العملاق الذي كان يُفترض أن يصل قريباً الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط، لعلّه يقطع طريق الحرير الصيني. ماذا عن تركيا؟ انتقل رئيسها رجب طيب أردوغان من "النقد البنّاء" لإسرائيل في أول أسبوعين من الحرب، ودعوة "الطرفين" إلى وقف أعمال العنف، إلى شنّ حرب كلامية عنيفة على تل أبيب. شتائم وتهديدات ونعوت بالإرهاب للدولة ولرئيس حكومتها ولجيشها ولكل ما يمتّ إليها بصلة، من دون اتّخاذ إجراء عملي واحد، لا سياسي ولا اقتصادي. شتائم كثيرة وكلام يضرّ بالقضية الفلسطينية في وضعه الصراع مع إسرائيل موضع الحروب الدينية، وصراخ لا يتعب في مقابل صفر أفعال كالعادة عندما لا يتعلّق الأمر بعدوّ كالأكراد والأرمن مثلاً. ثم لديك إيران، وما أدراك ما إيران. تخصُّص في المحاربة بسيوف غيرها، بسيوف عربية غالباً، من دون أن تورّط نفسها، وعندما يكون المقام مؤاتياً لمقالٍ خارج عن التاريخ، تحضر رواياتٌ تدين العرب حصراً بشعاراتٍ معادية للسامية سبق أن تبنّاها بعض العرب، ولكن خصوصاً نظام الثورة الإسلامية وبشّر بها، قبل أن يقول لك علي خامئئي، في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إن "بعضهم في العالم يكذب عندما يتحدثون عن أن إيران تقول إنه يجب رمي اليهود والصهاينة في البحر، فهذا الكلام قاله بعض العرب سابقاً ونحن لم نطرح ذلك أبداً ولا نرمي أحداً في البحر".

لكن أين الصين وروسيا من مذبحة غزّة؟ ترفض روسيا لفظياً تبريرات إسرائيل مجزرتها، وانتهى الموضوع. لا شيء أكثر من أسف فلاديمير بوتين وسيرغي لافروف لسفك الدماء وإدانة نارية لأميركا، وناعمة لإسرائيل. وعندما يحين وقت الجدّ، يفصح مبعوث بوتين إلى الشرق الأوسط، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، عن موقف موسكو البعيد عن الكذب على الذقون: "نريد الإفراج عن المحتجزين (الإسرائيليين) في قطاع غزّة"، قالها يوم الاثنين بعد اتصالاتٍ هاتفيةٍ أجراها يومي الأحد والاثنين مع مسؤولي "حماس". لم يقل بوغدانوف الإفراج عن المدنيين الإسرائيليين، ولا قال نريد إفراجاً متبادلاً عن الأسرى الإسرائيليين والفلسطينيين، بل طالب "حماس" بالإفراج عن جميع المحتجزين في غزّة، أي من ضمنهم العسكريون. أما الصين، فهي فجأة تعود مجرّد قوة اقتصادية لا أثر سياسياً لها. لا وساطة كالتي صالحت بها الرياض وطهران، ولا جولات مكّوكية ولا مبادرات ولا تحالفات ولا استقطابات ضغطاً على أميركا وإسرائيل لوقف الحرب. كلمات عامّة بليدة عن ضرورة الاحتكام إلى الحوار ووقف إعمال العنف من الطرفين واجترار لقصة حلّ الدولتين من دون تقديم أيّ جديدٍ عليها.

لا يقصّر من يواصل فضح الموقف المقرف لعواصم غربية كثيرة من المجزرة الفلسطينية، لكنه يكون عديم المصداقية وقليل النزاهة، حين لا يجد غير الغرب أمام ناظريه. لدينا نحن البشر عينان اثنتان وأذنان اثنتان، يا ليتنا نوزّع عيناً وأذناً لرصد الغرب، وأخريين نخصصهما لما يفعله الآخرون وما لا يفعلونه.

أرنست خوري
أرنست خوري
مدير تحرير صحيفة "العربي الجديد".