هذا الهراء

08 فبراير 2016
+ الخط -

ليست المفارقة المثيرة، هنا، هي البساط الأحمر الصارخ تحت حذاء عبد الفتاح السيسي وإطارات سيارته الفاخرة، بمواجهة دعوته المصريين لدفع ثمن كوب المياه كاملاً، أو إعادة تدوير الغائط، وتناوله، بعد معالجته ثلاثياً.

المفارقة الأفدح هي: بينما لم ينهض نظام السيسي كله من فراش العلاقة الحرام مع الكيان الصهيوني، وحيث لا يجرؤ أحد منهم على الاعتراض على رواية العار الإسرائيلية التي تحدثت عن شن السيسي حرب المياه على قطاع غزة، امتثالاً للمشيئة الصهيونية، وبينما تطالب سلطات الاحتلال السياسية والاستخبارية بحظر النشر، في ما يخص علاقاتها السرية العميقة مع نظام السيسي. بينما يحدث ذلك كله، لا يجد السيسي ونظامه غضاضةً، ولا يستشعرون عاراً أو خجلاً، وهم يواصلون تلك الفضيحة المدوية المسماة "محاكمة المعزول بتهمة التخابر مع قطر وحماس"، بحسب الصياغة المفضّلة لعناوين الصحافة السيسية، الغارقة في قاع بيارات الصرف الصحي.

يشتعل الفضاء الإعلامي والسياسي بفضيحة العناق الأمني والسياسي، بين حكومة السيسي وحكومة الليكود التي فجرها وزير البنية التحتية الصهيوني، فتنمو في قاع المسخرة السيسية حواديت السجادة الحمراء، ومهزلة قضية اتهام الرئيس المنتخب الذي اعتبر العدو الصهيوني الانقلاب العسكري عليه بمثابة الانتصار الأكبر له، من دون طلقة رصاصٍ أو غارة جوية واحدة، وكأن المخرج المنفذ لهذه التراجيديا، القاتمة، يريد، من حيث لا يدري، أن يعرّي سلطة الدم أكثر، ويرد الاعتبار للسلطة الشرعية السجينة، أكثر وأكثر.

لا يهم هذه السلطة المبتذلة أن يصفها أحد بأنها ليست أكثر من خادمةٍ في البلاط الصهيوني، لأنها تعلم أنه ما أهلك السلطة الشرعية المنتخبة قبلها سوى مجاهرتها بمن هو العدو ومن هو الشقيق ومن هو الصديق، فراحت تحتضن غزة الجريحة، وتقول "غزة لم تعد وحدها"، في مواجهة صلف الاحتلال وغطرسته وإجرامه.

يشغلون الكل، ويخطفون الوعي بإشعال حريق السجادة الحمراء، فتجد صحف الجنرال وقنواته تلقي بكل أوراقها وأسلحتها في الحرب الزائفة ضد المنافقين الأوغاد الذين يحرجون الزعيم بنفاقهم، وكأنه ليس الراعي الوحيد لكل هذا القبح، وكل هذا الابتذال، في القول والفعل والإجراء، أو أنه شخص آخر، غير ذلك المحشو بالأوهام والأساطير، وضلالات الزعامة التاريخية المفبركة.

يصرفون أنظار الناس عن مسخرة التفريط في حقوق المصريين التاريخية بمياه النيل، مقابل الإفراط في الاحتقار والاستخفاف بهم، إلى درجة أن سارق ثورتهم يطلب منهم أن يشربوا مياه المجاري التي سيقوم بمعالجتها ثلاثياً، من دون أن يتصدّى أحد من علماء مصر لهذا الهراء العلمي المنسكب على الهواء مباشرة (يمكنك أن تضع الخاء مكان الهاء في كل من الهراء والهواء بلا أدنى حرج).

أظن أنك تتذكّر مئات الهكتارات التي زرعوها كلاماً وثرثرة في فضائياتهم، في مثل هذا الوقت من العام 2014 احتفالاً بالفتح العلمي المبين الذي قدمه الجيش المصري للبشرية، وهو اختراع جهاز علاج الإيدز. وأزعم أن عليك، الآن، أن تسأل نفسك: لماذا لا تحتفي أدوات السيسي الإعلامية بعبقريته الفريدة في اكتشافه حلاً لمشكلة المياه، بتقنية المعالجة الثلاثية؟ ولماذا لم يأتوا بالخبراء والمحللين، كي يرغوا ويزبدوا في أهمية الفتح الجديد؟

لقد وصل بهم الإمعان في احتقار قدراتك العقلية أنهم، ذات يوم، جلبوا من أجلك خبراء تلفزيونيين، ليقنعوك بأن لحوم الحمير لذيذة ومفيدة لصحتك، فلماذا لا يقنعوك، هذه المرة، بأن مياه الصرف الصحي التي أرسل الله السيسي لمعالجتها، يمكنها أن تشفيك وتعالجك من الأمراض المستعصية؟

علّقت على المعترضين على فقرة لحوم الحمير بالسيرك المجنون، في ذلك الوقت، بالقول: لقد سلّمت لهم رأسك يعبثون به، ويلقون فيه بكميات هائلة من المعلومات والأخبار والشائعات والبذاءات، بما لا يليق بالبشر. وعلى الرغم من ذلك، تتناولها بتلذذٍ عجيب، وتقول هل من مزيد.. كما سلّمت لهم ضميرك، يعدمونه حياً، ويقدمونه مطبوخاً ومشوياً، في أطباق فاخرة، عبر وسائل إخراج وتصوير مبهرة، ليقولوا للعالم إن الشعب راض وسعيد، باختياراته.. فإذا كنت قد فوّضتهم بالتصرّف في العقل والضمير، فكيف تعترض، إذا تولّوا شؤون معدتك؟

 

 

وائل قنديل (العربي الجديد)
وائل قنديل
كاتب صحافي مصري من أسرة "العربي الجديد" عروبي الهوية يؤمن بأنّ فلسطين قضية القضايا وأنّ الربيع العربي كان ولا يزال وسيبقى أروع ما أنجزته شعوب الأمة