هذا البرلمان في تونس

31 مارس 2023
+ الخط -

باشر مجلس النواب التونسي الجديد أعماله في خطوةٍ تشكل استكمالا للمسار السياسي الذي اتخذته البلاد منذ 25 يوليو/ تموز 2021، فهذا البرلمان الذي جرى تنصيبه في شهر مارس/ آذار الحالي- منقوصا من سبعة نوابٍ لم تجر الانتخابات في الدوائر المخصصة لهم- يثير جملة من التساؤلات بشأن نمط أدائه في المستقبل ودوره المفترض، خصوصا في ظل استحضار الناس أساليب عمل البرلمانات السابقة التي كانت تبثّ جلساتها بشكل يومي ومباشر على القناة الرسمية الثانية.

الأكيد أن البرلمان الجديد جاء ضمن ملابسات سياسية شائكة وأزمة غير مسبوقة، وهو، في الوقت نفسه، أحد تجليات هذه الأزمة وأحد تعبيراتها الواضحة، بداية من نسبة المشاركة المتدنّية في الانتخابات البرلمانية، والتي لم تتجاوز، حسب الإعلان الرسمي، 11.4%، وفي ظل تشكيك واسع من المعارضة السياسية في شرعية هذا المجلس النيابي، باعتباره انقلابا على المجلس السابق الذي لم تنته مدّته النيابية بعد. ولا يتوقف الأمر عند مجرد المشكل السياسي الذي رافق انتخاب أعضاء هذا البرلمان، وإنما سيتجلى تدريجيا في طبيعة أدائه مهامه المحدّدة حسب دستور 2022.

إلى جانب الانتقادات المتعلقة بأعداد المشاركين في الانتخابات، والنسبة المطلوبة للفوز بعضوية البرلمان (صعد بعض النواب إلى المجلس من دون أي صوت في ما عُرف بدوائر المرشح الواحد، وفي دوائر أخرى لم تتجاوز الأصوات التي فاز بها النائب بضع مئات)، وهو ما أشاع نوعا من النقد الأخلاقي والمعنوي، المتصل بدلالة الأصوات التي لم تختر النائب، وهي في هذه الحالة ليست نسبة قليلة أو هامشية، وإنما هي تعبير عن غياب التمثيل الحقيقي للشعب الذي يُفترض في البرلمان أن يكون المعبّر الحقيقي عنه. ومن جانب آخر، تغيب عن البرلمان الجديد الصبغة التمثيلية للقوى والتيارات السياسية الناشطة في البلاد. وإذا استثنينا أحزابا صغيرة شاركت، واستطاعت أن تحظى بحضور نيابي بسيط وغير مؤثر، فإن نواب المجلس الجديد لا يملكون هوية سياسية واضحة، ولا توجهات فكرية محدّدة، بقدر ما تجمعهم فكرة الوصول إلى الموقع، ومن دون دراية بطبيعة المطلوب منهم تحقيقه عبر عضويتهم لمجلس النواب.

من المعروف أن أي نظام سياسي في العالم يجري تقييم نجاعته ومدى ديمقراطيته يتجاوز مجرّد توصيف المؤسسات وشكلها فحسب (بمعنى وجود مجلس نواب وهيئات منتخبة)، بل يعتمد أساسا على تحديد ما تضطلع به هذه المؤسسات من وظائف وأدوار في الواقع، فالنظام السياسي السليم ليس مجرّد فاعلين وانتخابات، بل أيضا ماذا يستطيع هؤلاء الفاعلون من قوى ومؤسسات فعله ومدى تمثيلهم المصالح الاجتماعية وقدرتهم على تحسين الظروف الاجتماعية والسياسية، وهنا ينبغي أن نشير إلى محدودية الدور الذي يمنحه دستور 2022 للمجلس النيابي، حيث تنص المادة 61 منه على أن "التفويض الممنوح للنائب يمكن سحبه وفق الشروط التي يحدّدها قانون الانتخابات"، بينما تؤكد المادة 62 على "تحجير تنقل نواب البرلمان بين الكتل النيابية". وتشير المادة 66 إلى أن "النائب لا يتمتّع بالحصانة البرلمانية بالنسبة إلى جرائم القذف والثلب وتبادل العنف المرتكبة داخل المجلس، كما لا يتمتع بها أيضا في صورة تعطيله السير العادي لأعمال المجلس"، وتمنح المادة 68 الرئيس الحق في طرح مشروعات القوانين على البرلمان، وهو من يقدّم مشروعات قوانين الموافقة على المعاهدات ومشروعات القوانين المالية.

في ظلّ ما يحدّده الدستور من صلاحياتٍ لهذا المجلس الجديد، من الصعب أن نتوقع منه تقديم مبادرات قانونية أو مبادرات إصلاحية فعلية

وفي ظل ما يحدّده الدستور من صلاحياتٍ لهذا المجلس الجديد، من الصعب أن نتوقع منه تقديم مبادرات قانونية أو مبادرات إصلاحية فعلية، فهو في دوره لا يتجاوز إقرار المشاريع القانونية المقترحة من السلطة التنفيذية، خصوصا وأنه غير قادر على إقالة الحكومة أو حجب الثقة عنها إلا بتأييد ثلثي النواب، وهو ما يبدو شرطا تعجيزيا، بل وتؤكّد المادة 116 من الدستور الجديد أنه عند "إجراء تصويت ثانٍ لحجب الثقة عن الحكومة خلال نفس الدورة البرلمانية، يبقى للرئيس قبول استقالة الحكومة أو حل البرلمان والدعوة لإجراء انتخابات جديدة".

من الواضح أن مهمة البرلمان التونسي الجديد ستكون صعبة، وجوابا عن سؤال هل كان التخلّي عن النظام البرلماني صائبا؟ وهل إن مجلسا نيابيا محدود الصلاحيات قادرٌ على أداء المهام المفترضة لممثلي الشعب؟ والأهم من هذا كله مدى قدرة النظام السياسي الجديد تركيز أركان حكمه وإثبات نجاعته في إدارة المرحلة الجديدة، في ظل حالة من العزوف السياسي وأزمة اقتصادية واجتماعية متصاعدة تحتاج إلى كثير الحكمة.

B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.