هذا الابتزازُ الفرنسي

15 سبتمبر 2022
+ الخط -

ربما ليس مبالغةً القول إن العلاقات المغربية الفرنسية تمر في أسوأ مراحلها منذ تولي الملك محمد السادس الحكم قبل 23 سنة. وعلى الرغم من عدم وجود ما يدلّ على ذلك رسميا، سواء من الرباط أو باريس، إلا أن تواتر بعض المؤشّرات يوحي بأن هناك أزمة غير معلنة بين البلدين، جديدها أخيراً الاستقبال الذي حظي به وفد من جبهة بوليساريو الانفصالية، في مقر الجمعية الوطنية، من النائب عن الحزب الشيوعي الفرنسي، جون بول لوكوك، في خطوة تحمل أكثر من دلالة في توقيتها، بحكم أنها تأتي بعد أقل من شهر على زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الجزائر، وتندرج، كذلك، في سياق سعي فرنسا إلى إعادة جدولة أولوياتها في جنوب المتوسط بما يخدم مصالحها.

معروف أنّ الحزب الشيوعي الفرنسي لم يُكنّ الودّ، يوماً، للنظام المغربي، وما قام به النائب بولوك، لا يخرج عن الخط العام للحزب ومواقفه التقليدية في أكثر من شأنٍ يخصّ المغرب. لكن يصعب تصديق أنّ استقبال وفد من جبهة بوليساريو في مقر مؤسسة سيادية، مثل الجمعية الوطنية، قد تم من دون علم من يهمهم الأمر في باريس، لأنّ الأمر يتعلق بنزاع إقليمي تتعارض بشأنه مصالح القوى الإقليمية والدولية. ومن ثَمَّ، يبدو هذا الاستقبال ورقة ضغط أخرى تُلوّح بها فرنسا في مواجهة مغربٍ أكثر ارتهانا لحساباته التي بات يتصدّرها ملف الصحراء، وبالأخص بعد الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء، والانفراج الذي شهدته علاقاته مع ألمانيا وإسبانيا.

قد لا يكتسي استقبالُ وفد عن بوليساريو في مقر البرلمان الفرنسي، في نظر بعضهم، أهمية كبيرة، بالنظر إلى طبيعة السياسة الخارجية الفرنسية التي يمثل فيها الرئيس حلقة محورية، علاوة على أن ذلك لا يعبر عن موقف رسمي، سواء من الإليزيه أو الحكومة أو الجمعية الوطنية، بيد أن ذلك كله لا يقلل مما ينطوي عليه انفتاح بعض مكونات الطبقة السياسية الفرنسية على الأطروحة الانفصالية من خطورةٍ يمكن أن تؤثر، مستقبلاً، على الموقف الرسمي لفرنسا، ليس فقط باعتبارها شريكاً اقتصادياً للمغرب وحليفاً سياسياً له، بل أيضاً باعتبارها عضواً دائماً في مجلس الأمن.

كان محرجاً لفرنسا التغييرُ الدي حصل في إعلان مدريد دعمها مقترح الحكم الذاتي في الصحراء، فقد وجدت نفسها ضمن معادلة جديدة في المنطقة. وأمام اشتداد ضراوة حروب الغاز نتيجة الاجتياح الروسي لأوكرانيا، وانسحابها العسكري من مالي، وتراجع نفوذها في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، وبروز صراع محاور في جنوب المتوسط، أمام ذلك كله بدأت تفقد بعض أوراقها في التأثير على سياسات الدول التي تعدها حليفة لها، وفي مقدمتها المغرب. وهنا يبرز سؤال مركزي في علاقة المغرب بفرنسا: هل يتبنّى المغرب خطاباً تصعيدياً إزاء فرنسا، على غرار ما حدث مع ألمانيا وإسبانيا، خصوصاً بعد خطاب الملك محمد السادس بمناسبة ذكرى ''ثورة الملك والشعب''، حين قال: ''إنّ ملف الصحراء هو النظّارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم. وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات''؟ يُستبعد ذلك بالنظر إلى الطبيعة المركبة للعلاقات المغربية والفرنسية، واتساع شبكة النفوذ الفرنسي في المغرب، في قطاعات حيوية كالأعمال والثقافة والإعلام. هذا إضافة إلى أنّ الزيارة، التي يُرتقب أن يقوم بها الرئيس ماكرون إلى المغرب نهاية الشهر المقبل (أكتوبر/ تشرين الأول) قد تكون مدخلاً نحو تفاهماتٍ جديدة بين البلدين، من غير المستبعد أن يكون ملف الصحراء ضمنها؛ تفاهمات تتجاوز المجالات التقليدية للتعاون والشراكة بين البلدين نحو بلورة موقف فرنسي أكثر وضوحاً بشأن نزاع الصحراء. أما إذا فشلت الزيارة ولم تحقق ما يتطلع إليه البلدان، فإنّ ذلك، سيُفضي، لا محالة، إلى توسيع الفجوة بينهما، ما قد يُنذر بتزايد التوتر في علاقاتهما.