هجوم كروكوس: إبعاد شبهات عن مَن؟
تصرّ روسيا على رفض فرضية تورّط تنظيم داعش في هجوم كروكوس (قرب موسكو) بعد مضي أسبوع على تنفيذه. بالنسبة إليها الاتهام يوجه فقط إلى أوكرانيا. لا تتعلق المسألة بتحقيقات أو اعترافات. وإن كان التشكيك مشروعاً بطبيعة الحال بأي اعترافات تُعلنها السلطات الروسية، بعدما جرت "بروفة" لها على الملأ وتجاهل الكرملين أي أسئلة بشأن تعذيب المعتقلين الذين قيل إنهم تورّطوا بالهجوم.
تريد روسيا تجاوز فرضية "داعش"، تحديداً فرعه في أفغانستان، ليس ليقينها أن التنظيم غير متورّط، بل لأن اتهام أوكرانيا يبقى الخيار الأسهل، الذي بإمكانها الذهاب بعيداً في توظيفه عسكرياً في الميدان الأوكراني من خلال تبرير تصعيد الهجمات، وحتى استخدام أسلحة جديدة وأكثر فتكاً أو حتى سياسياً من خلال السجال شبه اليومي مع الغرب، وتكرار لازمة الاتهامات له بشنّ حرب عليها واستهدافها.
ولأجل ذلك، لم تتردّد روسيا في التقليل من شأن التصريحات الأميركية التي كانت واضحة منذ الدقائق الأولى للاعتداء في نفي تورّط أوكرانيا بالهجوم. ومنطلق دحض تورّط كييف ليس الثقة العمياء التي توليها واشنطن لها أو الاعتقاد بعدم جرأتها على تنفيذ عمليات في العمق الروسي أو يمكن أن تقلب الموازين، فتفجير خط نورد ستريم لا يزال حاضراً في الأذهان.
كانت استنتاجات واشنطن واضحةً أنها مبنية على معلومات استخبارية، وهو ما يفسر البيان التحذيري الذي نشرته السفارة الأميركية في موسكو في 7 مارس/ آذار الجاري، أي قبل أسبوعين من الهجوم، بشأن تخطيط متطرّفين لهجمات تستهدف تجمّعات في موسكو، بما في ذلك خلال الحفلات الموسيقية، قبل أن تلحق بها سفارات غربية عدة. وهو ما تحقق بعد ذلك بالاعتداء على قاعة كروكوس للحفلات، الذي أسفر عن قرابة 140 ضحية قبل أن يتبناه تنظيم داعش خراسان ويتبين ضلوع أربعة طاجيك فيه.
لكن يبقى الاعتراف بإمكانية أن فرضية تورّط "داعش" بمثابة أمر غير مرغوب بالنسبة لموسكو، لأسباب عدة. وقد جاء توقيت الهجوم بعد وقت قصير من الانتخابات الرئاسية التي أراد الكرملين تصويرها "عرساً ديمقراطياً" بعد نسبة تصويتٍ كان يخطّط لتوظيفها في إثبات حجم التأييد الشعبي لفلاديمير بوتين، بعدما أدخل البلاد في حرب استنزاف جرّاء قراره غزو أوكرانيا. لكن صورة رجل الأمن القوي تزعزعت هذه المرّة من قلب موسكو وليس داخل أوكرانيا أو على حدود البلدين. والإقرار بتورّط التنظيم، إذا ما أُخذ بعين الاعتبار أيضاً التحذير الأميركي الذي أكّد البيت الأبيض أنه جرى نقلُه إلى روسيا عبر تشارك المعلومات معها، تفسيرُه أن أجهزة الأمن الروسية قد فشلت في منع الهجوم على الرغم من توفر مؤشّرات عدة ومعلومات بوجود خطر داهم. ويضاف هذا الواقع بسهولة إلى سجل إخفاقاتها الاستخبارية، لا سيما بعدما كانت العاصمة الروسية العام الماضي تحت تهديد "الاجتياح" من المرتزقة عقب تمرّد زعيم مجموعة فاغنر. وهو ما يعني أن الفترة المقبلة، أقلّه عندما تهدأ هذه العاصفة، قد تشهد تغييرات في قيادات عدة أجهزة أمنية بعد توالي أخطائها التي تكلف الكرملين الكثير من صورته، الأمر الذي يصعُب تخيّل أن بوتين سيمسح باستمراره طويلاً.
يضاف إلى ذلك أن الاعتراف بتورّط "داعش" يعني أن روسيا أمام تهديدات قديمة – جديدة في آسيا الوسطى، ستتطلب منها إعادة التركيز على التطرّف في المنطقة التي تشكل حديقة خلفية لها، وبإمكانها أن تسبّب أزماتٍ عديدة. ولذلك، يبدو تجنّب الإقرار بأي تورّط محتمل لـ"داعش" (حتى الآن) مصلحة روسية أولاً، لإبعاد الشبهات عن إخفاقاتها قبل أي أمر آخر.