نهب اليمن: لا أحد بريء
يؤكّد خبراء الأمم المتحدة، منذ سنوات، وجود تجار حربٍ يتربّحون من الحالة التي يعيشها هذا البلد منذ انقلاب الحوثيين في 2014. يتهمون في تقاريرهم، وفي جلساتٍ نقاشيةٍ مغلقة، طرفي الحرب الرئيسيين، جماعة الحوثيين و"الشرعية" (دائرة الرئيس عبد ربه منصور هادي والحكومة) بالمسؤولية.
عند الحديث عن الحوثيين كل شيء يبدو متوقعاً. كانت الجماعة، منذ اللحظة الأولى للانقلاب، واضحة في مخططها. تريد نهب كل ما يقع تحت يديها. نهم لتعويض عقود طويلة من الغياب عن المشاركة في السلطة، وما يترتب عليها، في بلد مثل اليمن، من الفساد وسرقة الثروات، بذرائع مختلفة. لم توفّر الجماعة وسيلة لتحقيق هدفها، بل تفنّنت في اختراع المبرّرات لفرض الخوات تارّة تحت بند الزكاة والخمُس، وتارة أخرى تحت بند المساهمة في المجهود الحربي (تقرير الأمم المتحدة الصادر قبل أيام عن استغلال جزء كبير من قرابة 1.8 مليار دولار من إيرادات الدولة في 2019 لهذا الغرض). وتحوّلت أي مناسبة سياسية أو دينية إلى فرصةٍ لجبي الأموال أو مصادرة بضائع، حتى لو كانت هذه ملابس وأحذية. وبينما تنتشر أخبار فساد مستشرٍ في الجماعة وعدد من قياداتها، وهم الذين أصبحت لديهم أحدث السيارات ويبنون العمارات والفلل ويفتتحون المشاريع والشركات، تنتشر كل يوم قصصٌ لموظفين حكوميين ومدرسين يُطردون من منازلهم أو يضطرون للقبول بأي عملٍ، مثل تنظيف السيارات أو تحميل البضائع، بعدما توقفت رواتبهم، وذلك من أجل إطعام عائلاتهم، فيما الجماعة تتذرّع، كذباً، بعدم وجود الأموال الكافية لديها لدفع رواتب هؤلاء المقيمين في المناطق الخاضعة لسيطرتها، على الرغم من أن إيرادات هذه المناطق تصبّ في جيبها.
أما الشرعية فلا تبدو أقل سوءاً. يجيد مسؤولوها أداء دور الضحية على نحو متكرّر. وكلما تمّت مواجهتها بسوء الإدارة السياسية والعسكرية والاقتصادية تُشهر لازمة أنها مغلوبٌ على أمرها. وفي كل مرة تحدّث أحدهم عن إخفاقاتها تُلصق بوجهه تهمة "الحوثية". لكن نظرة على ما كشفه التقرير الأممي قبل أيام تؤكد حجم الكارثة داخل هذه الشرعية، وأنها تنافس الحوثيين في الجشع والفساد، بعدما تبيّن أن "البنك المركزي في اليمن خالف قواعد تغيير العملات، وتلاعب في سوق العملة"، وغسل جزءاً كبيراً من وديعةٍ سعودية قيمتها مليارا دولار "بمخطّط معقد لغسل الأموال"، ما دّر على تجارٍ بعينهم مكاسب بلغت قيمتها نحو 423 مليون دولار. لم يكن نفي البنك المركزي اليمني ما ورد في التقرير مستغرباً، بل هو أكثر ما يجيده منذ سنوات، عند الحديث عن سياساته النقدية وتداعياتها الكارثية على انهيار سعر الريال اليمني، وعدم توحيده بين مناطق الشرعية والحوثيين، وترك المواطن يدفع ثمن ذلك كله ارتفاعاً في الأسعار، وعجزاً عن تأمين أبسط متطلبات الحياة.
هكذا، إذا كان من قاسم مشترك بين الحوثيين والشرعية، بعد كل سنوات الحرب هذه، فهو حرصهم الشديد على نهب اليمنيين وتدميرهم وقرارهم في عدم إيقاف الحرب. فكلما طالت هذه الحرب زادت أرصدتهم في المصارف، وتضاعف عدد الشقق التي يبتاعونها خارج اليمن. ولذلك لا يبدو مستغرباً أنه في كل مرّة يلوح أفق خرق سياسي كان هناك في الجبهتين من يقف له بالمرصاد، ويخرج من يُزايد بضرورة استمرار الحرب، ويغرّد من حساباته على مواقع التواصل، من دون أن يملك جرأة العودة إلى أي منطقةٍ يمنية، لأن لا طاقة له على تحمّل ما يعانيه اليمنيون من مآس.
عملياً، لا أمل بحل سياسي للأزمة اليمنية قبل كسر هذه الدائرة ووقف اقتصاد الحرب. لكن كيفية تحقيق ذلك هي الأهم.