نقطة من بحر احترام الخمينية للنساء

28 سبتمبر 2022
+ الخط -

نقرة واحدة على محرّك "غوغل" تحيل إلى بحر من مشاعر تقدير إيران الخمينية للنساء التي تصل بالموقع الإلكتروني لعلي خامنئي إلى حدّ اعتبار أن "الإمام الخميني كان الشخص الوحيد الذي أدرك أهمية دور النساء". موقع إيراني آخر يتطوّع لجمع كل ما نطق به مؤسس النظام، أي روح الله الخميني نفسه، عن النساء، وهو مليء بكل أنواع المبالغات والمزايدات اللفظية التي تعظّم من شأن المرأة كأنها تقول لها في النهاية إنها كأم وكزوجة داخل المنزل، أكبر من أن تنخرط في قضايا هذه الدنيا الزائلة، كأن تصبح قاضية مثلاً (مهنة ممنوعة على المرأة بموجب القانون رقم 115) أو أن تكون حرّة في تفكيرها وحركتها وملبسها وخياراتها الشخصية وقراءتها الخاصة للنص الديني (مهمة محصورة بالرجال بموجب البنود 5 و107 و163 من الدستور). يقول الخميني عام 1979 إن "العمل السليم للمرأة لا مانع أمامه مطلقاً. ولكن ليس بالصورة التي كان يتطلّع اليها أعوان النظام البهلوي. هؤلاء لم يفكروا في إيجاد عمل للمرأة، بل كانوا يتطلّعون للحطّ من مكانتها ومكانة الرجل ايضاً. ومن ثم لم يسمحوا بتوافر نمو طبيعي لا لطبقة النساء، ولا لطبقة الرجال". وأعوان بهلوي الملكيون هؤلاء هم الذين أعطوا المرأة الإيرانية حقوقها السياسية عام 1963، فما كان من الخميني إلا أن هجا السلطة التي "أتت بالنساء إلى المناصب. انظروا كيف أن كل منصب احتلته النساء بات مشلولاً.. إنّ بلاط الحاكم الظالم يريد أن يمنح حقوقاً متساوية للنساء والرجال وأن يأخذ الفتيات ذوات الـ18 عاماً إلى الخدمة العسكرية الإجبارية". أما أن جمهورية الخميني أرسلت النساء إلى جبهات الحرب الإيرانية ــ العراقية، فذاك حلال لا يحلّل أن تُعتق المرأة من سطوة الذكر قانونياً، أكان أباً أو زوجاً أو شقيقاً أكبر لو قررت الزواج أو السفر أو الوراثة والعمل.

يقول الخميني عام 1981: "نأمل أن تكون نساء بقية البلدان الإسلامية قد اعتبرت واتّعظت من هذا التحوّل الإعجازي الذي حصل لنساء إيران نتيجة للثورة الإسلامية العظمى"، وهي، وفق قانون الأحوال المدنية الذي أقرته "الثورة"، لو طلبت الطلاق، فإن قرار الموافقة من عدمه محصور بالقاضي، على عكس الزوج الذي يتطلّق بمجرّد أن أراد ذلك. "التحول الإعجازي" الذي حصل للنساء بفضل الثورة يجعل من حضانتها لأطفالها في حال تطلقت تسقط عنها عند بلوغ الطفل الذكر سنتَين، و7 سنوات للفتاة. وحتى عندما يعيش الأطفال مع الأم، فإن القرارات الخاصة بشؤونهم تعود إلى الوالد. أما على المستوى السياسي، فإنّ رفْض إبراهيم رئيسي إجراء حوار في نيويورك مع مذيعة غير محجّبة (كريستيان أمانبور)، وهو ما لم يصل إليه أي من أسلافه حتى محمود أحمدي نجاد، يعبّر عن كم يمكن للتخلف أن يتخلف أكثر في جمهورية لا يُلفظ اسمها من دون "الثورة".

عام 2016، كان محافظو النظام الإيراني يعربون صبح مساء عن قلقهم من تأثيرات الاتفاق النووي مع الغرب. التأثيرات تلك كان يُرمز إليها بخطر "الانفتاح على الغرباء" وعلى ثقافتهم وحرّياتهم ونمط حياتهم وخياراتهم المفتوحة في فهم العالم. في ذلك العام، خصص علي خامنئي من وقته الكثير ليظهر كل مساء تقريباً على شاشة التلفزيون عشية الانتخابات التشريعية عامذاك. وصفَتُه للمناعة كانت سهلة: لا تسمحوا للغرب بأن يُعديكم. تفادوا الاختلاط بالغرباء. أما أحمد جنّتي (95 عاماً) رئيس مجلس صيانة الدستور منذ 1993، فكان أكثر نباهة إلى مصدر الخطر، فنصح زملاءه في السلطة بالحذر من أن يؤدي الاتفاق النووي إلى فتح الطريق أمام مطالب أخرى للمجتمع الإيراني، وقال في أحد أشهر خطبه في 2016: انتبهوا إلى أن تصبح مسألة النساء والمساواة بين الجنسين مطروحة غداً.

إحالة حكام طهران الاحتجاجات الحالية الرافضة للحجاب القسري إلى مؤامرة أجنبية، ليست ناتجة عن استخفاف السلطة بما تقدر النساء على فعله، بل على العكس تماماً، هي تأكيد لمدى معرفة تلامذة الخميني بحجم هذه القدرة ومداها.