نعم لتصويت العرب في أميركا لستاين
ربّما تكون الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة (5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024) الأصعب منذ عقود بالنسبة إلى الجاليات العربية الإسلامية في الولايات المتحدة، من ناحية الاختيار ما بين "السيئ" و"الأسوأ"، كما يصفه الناخبون العرب هناك، والإشارة هنا إلى المرشّحَين، الديمقراطية كامالا هاريس، نائبة الرئيس جو بايدن، والجمهوري دونالد ترامب. فمن جهة، هناك مرشّح نرجسي عنصري يكره الأجانب، وحاول منع مسلمين من دول عدّة من دخول الولايات المتحدة (ترامب)، ومرشّحة إدارة قدّمت الدعم المالي والعسكري والدبلوماسي لإسرائيل طوال عام من الإبادة الجماعية في غزّة (هاريس).
مع ذلك، ليست الصورة بتلك القتامة التي يوحي بها المرشّحان، فهناك مرشّحة ثالثة هي جل ستاين، المنحدرة من أبوين يهوديين، والمنصفة للعرب والمسلمين في الولايات المتحدة، والمدافعة الشرسة عن حقّ الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، والمعارِضة القوية لسياسات بايدن بتسليح إسرائيل، والمدافعة حتى النخاع عن تظاهرات طلاب الجامعات الأميركية في معارضة الإبادة في غزّة، ما كلّفها الاعتقال من الشرطة الأميركية وهي في الميدان لحماية طلاب جامعة واشنطن في ولاية ميزوري في إبريل/نيسان الماضي.
يُجمع عرب ومسلمون أميركيين كثيرون على أن المرشحة ستاين هي الأكثر عدلاً وإنصافاً لقضاياهم في داخل الولايات المتحدة وخارجها، ولكنّ المشكلة في التصويت لها أن فرص نجاحها معدومة، إذ تعطيها استطلاعات الرأي نحو 2% من الأصوات فقط. وعليه، يجادل كثيرون في أن التصويت لستاين هو، بطريقة غير مباشرة، تصويت لترامب، لأنّ الصوت العربي يذهب تقليدياً إلى "الأقلّ سوءاً"، بايدن وهاريس في هذه الحالة، وحجب الصوت العربي عنهما سيعزّز فرص المرشّح النرجسي (ترامب)، نتيجة التقارب الشديد فيما بين المرشّحَين الرئيسيَّين.
المصلحة الحقيقية لعرب ومسلمي الولايات المتحدة في التصويت للمرشّحة جل ستاين
نعم، تزيد مثل هذه المعطيات المعادلة صعوبةً وتعقيداً، حتى أن كاتب هذه السطور أخذه من الوقت أكثر من ثلاثة شهور من التفكير حتى استطاع أن يحسم أمره في اتجاه الصوت العربي. وعليه، يمكن القول إن المصلحة الحقيقية لعرب الولايات المتحدة زكسلميها في التصويت للمرشّحة جل ستاين، للاعتبارات التالية:
أولاً، قلق بعضهم من أن ترامب سيكون أكثر دعماً لإسرائيل غير دقيق، على اعتبار أنه في ظل إدارة بايدن تلقت إسرائيل كل ما تحتاجه من الدعم العسكري والدبلوماسي والمالي، ونفّذت إبادة جماعية بحقّ غزة أكثر من عام برعاية إدارة بايدن - هاريس، من دون أن يحرّك البيت الأبيض ساكناً.
ثانياً، يحاجج بعضهم أن ترامب قد يوافق على تهجير الفلسطينيين من غزّة، لكن الحقيقة أن التهجير قد بدأ فعلاً في رعاية بايدن في شمال غزّة، في كلّ من جباليا وبيت لاهيا وغيرهما. الفرق بين المُرشّحَين أن ترامب يجاهر بالعداء، بينما يطلق بايدن وهاريس تصريحات مسكّنة لمنتقدي الإبادة. وهكذا استطاع بايدن تخدير الجميع بتصريحات مثل أنه "غاضب من نتنياهو"، و"كان بين الاثنين مكالمة مشحونة"، فانتظر الجميع أكثر من عام وتمت الإبادة وهم مخدَّرون، فلربّما لو كانت النيات واضحةً منذ البداية، أيّ رعاية أميركية للإبادة، لاعتمد الآخرون على أنفسهم، ولم ينتظروا هذا الوقت كلّه لتمرّ الإبادة.
ثالثاً، نعلم أن إدارة بايدن - هاريس أنفقت فعلاً أكثر من عشرين مليار دولار، في تمويل الإبادة في غزّة، فهل سيدفع ترامب مبلغاً مشابهاً لإسرائيل لتنفيذ مخطّطاتها؟... ربّما، ولكنّنا نعلم أيضاً أن اجتزاز قطعة لحم من جسد ترامب سيكون أسهل عليه من تجريده عشرين ملياراً يدفعها لدولة أجنبية.
حجب الصوت العربي عن هاريس سيُؤسّس لعلاقة مساءلة ومحاسبة وعقاب لإدارة الحزب الديمقراطي في صناديق الاقتراع
لا، لن يذهب التصويت العربي لجل ستاين سدى، رغم أن نسبة التصويت لها حوالي 2% لسببَين رئيسيين: الأول، أن حجب الصوت العربي عن المرشّحة هاريس سيُؤسّس لعلاقة مساءلة ومحاسبة وعقاب لإدارة الحزب الديمقراطي في صناديق الاقتراع، عما اقترفته هذه الإدارة من رعاية للإبادة الجماعية في غزّة. والتأسيس لمبدأ المساءلة يجعل للصوت العربي أهمّيةً خاصةً سيحسب لها الديمقراطيون حساباً في المستقبل، ويوقف استغلال الحزب للعرب وأصواتهم على مبدأ "المسلّم به" (Taken for Granted) وسيستمع لمطالبهم، ليس في غزّة فقط، ولكن في الشأن الداخلي الأميركي، وفي ظروف معيشتهم في الولايات المتحدة، لا سيّما في مقاومة "الإسلاموفوبيا". من دون المساءلة والمعاقبة للحزب الديمقراطي في صناديق الاقتراع، سيبقى العرب والمسلمون مُستغَلّين من إدارة الحزب الديمقراطي، وذلك بتخويفهم من "البعبع" ترامب، وتبقى حقوقهم مهضومة. التصويت لجل ستاين هو الخطوة الأولى باتجاه تصويب هذه العلاقة الاستغلالية. السبب الثاني أنه لو اتحّد الصوت العربي في هذه الانتخابات لربما استطاعوا الدفع بالمرشّحة جل ستاين للوصول إلى نسبة 5% من الأصوات، وهي النسبة المطلوبة للاعتراف بها حزباً ثالثاً يكسر نظام الحزبين المقيت في الولايات المتحدة، فلا يخضع العرب أنفسهم، وغيرهم كثيرون من الأميركيين، لاحتكار واستغلال الحزبَين الذي مارساه تجاه المجتمع الأميركي برمّته. الجدير بالذكر أن الاعتراف بحزب ثالث بعد حصول المرشّح على 5% من الأصوات سيحصل على تمويل فيدرالي، وامتيازات أخرى يتمتّع بها الحزبان الرئيسيان الجمهوري والديمقراطي.
لا، ليس على العرب الأميركيين الاختيار بين "شهاب الدين وأخيه"، فليغرق كلاهما في رائحتهما الكريهة، وليشتمّ العرب الأميركيون على الأقلّ الرائحة الطيبة لدى جل ستاين بقليل من العدالة والإنصاف، والشعور الإنساني بقضاياهما العادلة في داخل الولايات المتحدة وخارجها، وذلك أضعف الإيمان.