نصر الله والسيسي: غزل غير عفيف
بالفارسي الفصيح، تكلم حسن نصر الله، لا باعتباره زعيم مقاومة عربية غابرة، بل كمتحدث باسم طائفة، عابرة للقوميات، لسانها عربي، ووجدانها واعتقادها إيراني. ومع ذلك، لا يكف عن إعطاء العرب الأقحاح دروساً في العروبة، ويطالبهم بمراجعة عقيدتهم، لأنهم وقعوا في "خطيئة" الحيلولة دون تسليم اليمن لإيران، ليكون لديها الملك من مبتدأ رحلة الشتاء والصيف إلى منتهاها، وتصبح متحكمة في الخارطة، من الشام والعراق شمالاً إلى اليمن جنوباً.
هكذا هي العروبة الحقة، وفقاً للمقاييس الإيرانية التي يريدها "سماحة السيد" الذي بدا في "كلامه" الأخير أقرب إلى محترف الهتاف، منه إلى محترف السياسة، بما يجعله، عن كل جدارة واستحقاق، أفضل دعاية لحشد الجماهير المترددة لتأييد عملية "عاصفة الحزم".
يظل الناس عروبيين، وصحيحي الإسلام، ما داموا ساكتين عن العربدة الحوثية، والهمجية الطائفية التي تمارسها المليشيات المسلحة إيرانياً، بالمال والعتاد، حتى إذا تكلموا وتحركوا لانتزاع اليمن العربي من براثن الطائفية العنصرية، صار لزاماً عليهم أن يراجعوا عروبتهم، ويجددوا إسلامهم، ذلك هو ملخص كلمات نصر الله الأخيرة.
لم يجد "سماحة الرجل الطيب" حرجاً في المشاركة في مجازر النظام السوري، المدعومة إيرانياً، ولم تهتز مشاعره الرقيقة لعمليات التطهير العنصري التي تمارسها مليشيات الحشد الشعبي (أو الشيعي بالأحرى) في المناطق السنية في العراق، استغلالاً للحرب على الإرهاب الداعشي. يرى القذى في عين داعش الشمال (العراق والشام)، ولا يرى الخشبة في عين داعش الجنوب (مليشيات الحوثي في اليمن)، على الرغم من أن الممارسات واحدة، ومنطلقات دواعش الجنوب أسوأ وأضل سبيلاً.
لا يمانع "سماحة شيخ الإنسانية" في مغازلة نظام عبد الفتاح السيسي. لم يتذكّر، ولا يريد أن يذكره أحد، بأن هذا النظام الذي يدعوه للانقلاب على "عاصفة الحزم"، مدغدغاً شبقه للزعامة الدينية، بحديثه عن مصر التي أنقذت قبر الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، في زمن مضى، لا يذكر أنه ارتكب مجازر، موثقة دولياً ومحلياً، بحق المصريين، تفوق فيها على كل الدواعش في فاشيتهم.
لا يهم، يكفي أن يكون عبد الفتاح السيسي في الحلف الإيراني مع نصر الله وبشار والحوثي، حتى يغفر له ما تقدم من إرهاب وما تأخر، تلك هي المبدئية، وهذه هي الاستقامة، بنظر سماحته، لتخرج بعدها صحف السيسي في القاهرة بعناوين فاقعة "نصر الله ينتصر للسيسي على حساب تركيا وقطر والسعودية"، وتفرد مساحات لتحليل أسرار العلاقة بين الشيخين "حسن وعبد الفتاح"، فتستدعي مقولات انسكبت من شراح "الأستاذ هيكل" المهموم بالتوفيق بين رأسين، إحداهما عسكرية، والأخرى طائفية، في الحلال، مفادها أن نصر الله أكبر المهمومين والمهتمين بمستقبل من سموه "رجل مصر القوي".
نظرة على الأرشيف ستكتشف أن "سماحة المقاوم" كان "متفهماً للغاية موقف السيسي في العدوان الأخير على غزة"، هذا الموقف الممعن في التآمر على الشعب الفلسطيني، على نحو أحرج صقور العدو الصهيوني أنفسهم. لكن، لا بأس، ما دام الموقف متبايناً مع موقف أردوغان فهو حلال.
حسن نصر منذ البداية "متكيف" مع انقلاب السيسي، لأسباب لا علاقة لها بالعروبة، أو بمشروع المقاومة، وإنما لأشياء تتعلق بالطائفة والمرجعية. هناك في أقصى شمال الشرق، وبالتالي، لا مفاجأة على الإطلاق في هذا الغزل، وهذا الاحتضان لرجل يقيس شرعيته بعدد رحلات الطيران التي قطعها، غير عابئ بكيف وصل إلى السلطة، سالكاً طريق الدماء. المحير حقاً هو هذه الحفاوة من إعلام السيسي بابتسامة سماحة السيد ولعبه على الوتر الحساس في منظومة حكم السيسي.
السؤال هنا: عبد الفتاح السيسي مع من؟ مع "العاصفة" صباحاً، وضدها مساء مثلاً؟
مرة أخرى: عاصفة الحزم واجب تأخر العرب في أدائه، لا طائفية فيها، أو عنصرية. مشكلتي الوحيدة معها أنها تقاوم انقلاباً طائفياً، وضمن مكوناتها عناصر انقلاب عسكري، أو هكذا يشاع!