نحن وإيران... معضلة السياسي والأخلاقي

25 اغسطس 2024
+ الخط -

أحيا نشطاء سوريون، قبل أيام، ذكرى مجزرة الكيماوي في الغوطة في دمشق قبل 11 عاماً (الوسم #مجزرة_ الكيماوي، على "إكس")، وأكّدوا أنّهم لن ينسوا تلك المجزرة الرهيبة التي راح ضحيّتها عشرات الأطفال والنساء، عندما قُصفوا بالسلاح الكيماوي، وأعاد المشاركون نشر الفيديوهات والصور لما ارتكبته مليشيات تابعة لإيران، حزب الله والقادمون من العراق وأفغانستان ومناطق أخرى، من مجازر وقتل بحقّ المدنيين، ما أدّى إلى تهجير قسري لأعداد كبيرة من السكان.

لا يزال ملايين من الشعب السوري مهجّرين، ويعانون الأمرّين. ولولا دعم النظام الإيراني وحزب الله نظام الأسد، لما تمكّن من البقاء. أكثر من ذلك، يأتي النفوذ الإيراني في كل من العراق وسورية واليمن ولبنان ضمن ما تسمّى استراتيجية المليشيات المسلّحة، وعلى حساب مفهوم الدولة نفسه وقوتها، وفي عديد من المرّات هو نفوذ مرتبط بالبعد الطائفي (وأغلب المليشيات المشاركة مسكونة بالبعد الطائفي الشيعي).

على الطرف الآخر، تشير استطلاعات الرأي إلى التحسّن الكبير في شعبية إيران خلال الحرب على غزّة، مقارنةً بما وصلت إليه من انهيار في العالم العربي، خلال الثورة السورية. ومن الواضح أنّ السبب يعود إلى التحالف بين إيران وحركة حماس، وما تلقّته الأخيرة من دعم عسكري (أقرّ به زعيم الحركة يحيى السنوار بصورة جلية) من إيران، ما مكّنها من بناء ترسانتها العسكرية.

وبالرغم من أنّ عرباً وفلسطينيين كثيرين أصيبوا بخيبة أمل لمحدودية مشاركة حزب الله في بداية الحرب مع "حماس"، وعدم فعالية ما يسمى "توحيد الساحات" (تحوّل المصطلح لاحقاً إلى ساحات الإسناد؛ للتحايل على دلالة المصطلح الأول)، إلّا أنّه مقارنةً بالمواقف العربية عموماً فإنّ "محور الممانعة" دخل جزئياً في المعركة، ووجّه ضربات عسكرية، وتحمّل خسائر مادّية وبشرية عديدة بسبب ذلك، فضلاً عن أنّ إيران لا تزال واضحة في خطابها المعلن لدعم حركة حماس والوقوف إلى جانبها، بينما أغلب الدول العربية إما بلا موقف، وإما تتجنّب أي دعم للحركة.

انعكس هذا التناقض في صورة إيران والموقف منها، أيضاً، على حركة حماس والنقاش الداخلي بين أجنحتها المختلفة، من الأحداث في سورية، إذ تمسّك رئيس المكتب السياسي حينها، خالد مشعل، بعدم دعم النظام السوري، وغادر دمشق، واتّخذ موقفاً مؤيداً للمعارضة السورية. وعلى الطرف الآخر، غضب يحيى السنوار ومعه قادة كتائب القسّام من هذا الموقف، وحافظوا على العلاقة مع طهران، وقالوا إنه لا يوجد خيار سياسي - استراتيجي للحركة إلا طهران، لأنّ باقي الدول العربية تنتظر لحظة وقوع الحركة وانهيارها، ولا تزالان، طهران ودمشق، تحملان على خالد مشعل بسبب موقفه ذلك.

تبحث إيران عن مصالحها القومية والسياسية والاقتصادية، ولا تعرف لعبة السياسة الدولية إلّا لغة المصالح والقوة والنفوذ. وضمن هذه الحسابات، موقف الفريق المتعاطف أو الداعم والمؤيد لإيران أنّها تمثل ظهيراً وحيداً يقف مع الفلسطينيين، وفي مواجهة مشروعات تصفية القضية. وعليه، يحتّم التقاء المواقف والمصالح الاستراتيجية هذا التحالف مع إيران، لحماية القضية الفلسطينية.

وفي المقابل، حجيّة الطرف الآخر (عربياً) متماسكة أخلاقياً، وتتمثّل بأنّه مقابل هذه المواقف، التي تلتقي في نهاية اليوم مع المصلحة القومية الإيرانية، أولاً وقبل كل شيء، ليس من حقّ الحرس الثوري وفيلق القدس والمليشيات التابعة لهما قتل المدنيين السوريين ودعم نظام مستبدٍّ دموي ضد شعبه، وتكوين شبكات للمخدّرات على مستوى المنطقة، وإضعاف الدولة الوطنية لصالح الاعتبارات الإيرانية والفئوية. وفوق هذا وذاك، الصمت عن مواقف إيران في جانبٍ خطيرٍ وكبيرٍ في دمشق وبغداد وبيروت ودول عربية عديدة بذريعة القضية الفلسطينية، لا ينفي حق ملايين البشر الذين دفعوا ثمناً غالياً من السياسات الإيرانية أن يكونوا ضد إيران في المنطقة، لأنّ الوجه الذي رأوه طائفياً مليشياوياً ضد حق المستضعفين في تقرير المصير والحياة الكريمة، وهو الشعار (للمفارقة) الذي رفعته الثورة الإيرانية في بداياتها.

يعكس الموقف من إيران حجم المفارقات والمعضلات والتناقضات في المجتمعات والدول العربية اليوم، إذ أصبحت الشعوب والأطفال والنساء والأمن الإنساني اليومي بمثابة الضحية الأولى لهذه الألعاب الدولية والإقليمية في سياق فراغ استراتيجي عربي رهيب.

محمد أبو رمان
محمد أبو رمان
أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأردنية والمستشار الأكاديمي في معهد السياسة والمجتمع.