ناخبون وآخرون يطالبون سعيّد بالرحيل

10 ديسمبر 2022
+ الخط -

لن تشهد تونس استقرارا سياسيا لفترة قد تطول. وما التصعيد السياسي والنقابي إلا دليل على ذلك. فاليوم السبت 10 ديسمبر/ كانون الأول كان يفترض أن تعيش العاصمة التونسية تحت وقع مسيرتين دعت إليهما كتلتان رئيسيتان في المعارضة، جبهة الخلاص الوطني والتحالف الذي يضم خمسة أحزاب، وتراجع في آخر لحظة عن الإقدام على هذه الخطوة لاعتبارات تكتيكية، خوفا من أن توظف جهوده لصالح حركة النهضة. على الرغم من ذلك، يبقى للاحتجاج دلالته السياسية.

تتفق المعارضة بكل فصائلها حول مسألتين، انتهاك الحريات، وثانيا دعوة التونسيين إلى مقاطعة الانتخابات المقرّرة ليوم 17 ديسمبر/ كانون الأول الحالي. ورغم الخلافات العميقة في صفوفهم، إلا أن المعارضين اختاروا عن وعي رفع الشعار نفسه في وجه الرئيس قيس سعيّد "ارحل"، تأكيدا على أن صبرهم قد نفد، وأنهم يئسوا من إمكانية تعديل سياسته واختياراته عبر الحوار والمؤسسات الشرعية، فقرّروا الانتقال إلى مرحلة إسقاطه عبر مختلف الوسائل السلمية.

ليست الأحزاب وحدها هي التي نفضت أيديها من رئيس الدولة، بل أيضا وصل الاتحاد العام التونسي للشغل، بثقله الاجتماعي، إلى النتيجة نفسها، حيث أكد أمينه العام، نور الدين الطبوبي، على أن البلاد تعيش "وضعا خانقا"، وأن تونس "مقسّمة ومشتتة وفاقدة للطريق" وأن كل المؤشّرات "تنذر بخطر داهم"، واعتبر الانتخابات القادمة "بلا لون ولا رائحة"، والحكومة "بلا رؤية ولا برنامج"، وأن النقابيين ليسوا متفائلين "بما ينتظر تونس ولن يتردّدوا عن مجابهة هذا الانهيار". ورغم أن هذه الحدّة في الخطاب النقابي ليست جديدة، فإنها اتخذت هذه المرة منحىً تصاعديا سيأخذ أشكالا عملية خلال الأيام والأسابيع المقبلة، فالقيادة النقابية لم تعد قادرة، فيما يبدو، على مواصلة السير وراء الرئيس وحكومته، لأن قواعدها فقدت الثقة في المسار السياسي برمته، بعد أن بلغت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية أشواطا من الصعب تحمل تداعياتها بسبب الغلاء الفاحش وأزمة المواد الأساسية، وغيرها من التداعيات الاجتماعية.

التقى الخصوم حول الهدف الاستراتيجي رغم خلافاتهم التكتيكية. كلٌّ يسير في طريق، وكلٌّ يعارض الآخر، لكنهم جميعا يعملون اليوم ضد خصم مشترك، هو الرئيس الذي لا يتوقف عن الدفع بهم نحو الاتحاد من أجل إضعافه وإطاحته إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا. لكن الإشكال القائم أن وحدة المعارضة لا تزال هدفا بعيد المنال، لأن الثقة مفقودة بين أطرافها. مع ذلك، هو يستمر الجدل حول الآلية التي يمكن الاعتماد عليها لإبعاد سعيّد عن الحكم.

يتمثّل الجواب المتوفر حاليا في اللجوء إلى الشارع الذي استمدّ منه الرئيس شرعيته، فالمعارضة تريد من التونسيين سحب ثقتهم من قيس سعيّد بعد التأكد حسب اعتقادها من "عجزه عن إدارة السلطة وفشله في إنقاذ الدولة"، لكن التحدّي هل ستستجيب الأغلبية لهذا النداء الذي سيصبح شعار المرحلة المقبلة؟.

الجواب صعب. هناك مؤشّران يمكن الاعتماد عليهما لمعرفة اتجاهات الرأي العام التونسي في هذا التوقيت بالذات: يتعلق الأول بمسيرة اليوم السبت، هل ستكون مختلفة عن المسيرات السابقة من حيث الحجم، ونوعية المشاركين. لأن الشارع يُقاس وزنه وتأثيره بالقدرة على التعبئة، وتوفر تنوع المحتجّين سياسيا واجتماعيا ومناطقيا. ويخصّ الثاني نسبة الإقبال على انتخابات 17 ديسمبر، ففي حال أن قرر الناخبون التوجه بكثافة نحو صناديق الاقتراع، رغم الأزمات المتتالية التي يتخبّط فيها المواطنين، فذلك سيعدّ، في القراءة السياسية، مؤشّرا قويا على أن غالبية التونسيين مع الرئيس سعيّد مهما كانت الظروف ومهما كان الثمن، فالشعب مستعدّ أن يتحمّل مسؤولياته، وعلى النخب أن تقبل وأن تنتظر. أما إذا حصل عزوفٌ واسع، فسيكون رسالة واضحة وقوية موجّهة من عموم التونسيين إلى قيس سعيّد مفادها "لقد فشلت في مهمتك". .. لأن مصداقية قيس سعيّد مرتبطةٌ، إلى حد كبير، بنجاح هذه الانتخابات أو بفشلها.

266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس