موسم قتل الأزواج والزوجات
تسارعت وتيرة جرائم قتل الأزواج والزوجات في الفترة الأخيرة، وتحديدا مع مطلع فصل الصيف وارتفاع درجة الحرارة، وربما مع حلول المناسبات؛ مثل انتهاء العام الدراسي وعيد الأضحى، ورغبة الجميع، بناء على ذلك، بالاحتفال والانتقال والسفر وتجديد نمط الحياة الروتينية، وكذلك كثرة المناسبات الاجتماعية التي تحلّ مع حلول فصل الصيف. والأهم أن هناك دراسة مهمة تفيد بأن جرائم قتل الأزواج والزوجات ترتبط بفصل الصيف وارتفاع درجة الحرارة.
بالفعل؛ ذكرت دراسة صدرت عن مجلة " نيتشر" أن جرائم العنف الأسري تزداد مع ارتفاع درجة الحرارة التي تؤثر في سلوكيات الفرد، وتجعل الفرد أقلّ استعدادا للتعاون مع الآخرين، وأكثر عرضةً للتقلبات المزاجية؛ حيث إن ارتفاع درجة الحرارة يزيد من نسبة ارتفاع درجة جرائم القتل العنيفة في المجتمعات بنسبة 3%، نتيجة لتغير معدل هرمون السيروتونين وزيادة مستوى النشاط البشري العنيف، ويبدو أن هذه الظاهرة تنطبق على المشاجرات الكبرى بين العائلات أيضا التي تقف الشرطة عاجزةً عن السيطرة عليها.
لكن المؤكد أن موضة قتل الأزواج بسبب الخيانة والانتقام قد انتهت، والتي كانت بدايتها قتل زوجةٍ زوجها وتقطيعه بالساطور في ثمانينيات القرن الماضي. وعلى الرغم من الحكم بالإعدام على مبتكرة هذه الطريقة، سميحة عبد الحميد، إلا أن طريقتها ظلت "رائدة" طرق التخلص من الأزواج، ولكن مع تغيّر كبير في دوافع القتل، حيث باتت جرائم القتل بسبب استحالة الطلاق، أو يمكن إجمال هذه الأسباب تحت بند عدم القدرة على الخلاص.
لا تدري كيف يحدث ذلك بالفعل، وكيف يمكن أن يتحوّل الحب الكبير في لحظة إلى أداة حادّة ودماء، وتنتهي الحياة التي تحدّث عنها الجميع، وقد توقعوا لها أن تستمر حتى تحترق النجوم مثلا، وهذا التعبير من التعبيرات الخالدة للكاتب الراحل أحمد خالد توفيق بالمناسبة، ولكن العلاقة انتهت بمصير مأساوي، يجعلك تتساءل هل العلاقات بين الطرفين بمثابة خدعة كبيرة، لا يمكن أن يضرب بها المثل؟
أنت اليوم تقف حائرا، ولا تعرف أسباب هذه الدموية التي غصّت بها الأخبار، وتركن قليلا للدراسة السابقة التي تربط بين حرارة الجو وسلوكيات الأفراد، وتتمنّى فعلا حلول فصل الشتاء، ولكن الأهم أن لديك عدة أسباب بائنة، منها تدخل الآخرين في حياة طرفي العلاقة الزوجية، ووجود الطرفين أيضا في بيت العيلة الذي تحوّل إلى جحيم الحياة بدلا من أن يكون بيت العز. والحقيقة أن النفس البشرية قد تغيّرت وتبدّلت وتوالت الأجيال التي أصبحت كائنات متوحدة، لا تطيق الزحام الأسري والعائلي ومبدأ الأخذ والعطاء والتعاون.
نأخذ على سبيل المثال الزوجة الشابّة التي كانت تتزوج في بيت العائلة قديما، وكانت تلقى كل الاحترام والتقدير، وعلى الرغم من تعبها الجسماني، لأنها تعمل طيلة الوقت مشاركةً في أعمال كثيرة لأسرة كبيرة العدد، وعدم توفر الآلات الحديثة التي تريح المرأة، إلا إننا لم نكن نسمع شكوى تحرّش من المحارم مثلا، بل عاش الجميع على أساس أن والد الزوج هو أب الجميع، وأن شقيق الزوج لا يدقّ باب البيت في حال وجود "الحريم" فقط.
عندما قرّرنا أن نعيش متأرجحين بين الماضي والحاضر وقعت الجريمة، فالزوجة الشابة التي كانت تتمنّى رضا أم زوجها (حماتها) أصبحت اليوم لا تطيق دخولها بيتها. وهكذا دفعت إحداهن حياتها ثمنا لاعتراضها على دخول أم الزوج شقتها في غيابها واستخدامها قطع أدوات منزلية خاصتها من دون إذنها. إجمالا؛ إن أهم أسباب جرائم القتل الزوجية المفزعة هي عدم تنازل أي طرف للآخر، واعتبار التنازل هزيمة، ولو أن كل طرفٍ اعتبر أن الزواج مثل أي خطوة في الحياة قابلة للنجاح والفشل، ويمكن التراجع عنها والبدء من جديد، لما كان الإصرار مثلا على البقاء مع الشخص نفسه الذي تقاطعت معه كل الطرق، وأصبح المضي إلى الأمام مستحيلا.