15 نوفمبر 2024
موت ندى .. و"فرحة مصر"
ربما كانت روح عازفة الناي المصرية، ندى سلامة، قد حاولت الصعود عائدة إلى خالقها، في اللحظة التي كان فيها إبراهيم محلب، رئيس وزراء عبد الفتاح السيسي، يصعد إلى منصة الكلام في القمة السمراء في جنوب أفريقيا، مطلقا رشقات من الأكاذيب، لعل أكبرها، من حيث القوة التدميرية، قوله إن دستور الدولة العسكرية أعطى للمرأة المصرية حقوقاً، لم تشهدها من قبل.
ربما، عند هذه العبارة المحلبية المغرقة في ضلالها، كانت روح عازفة البهجة الصغيرة، تتواعد مع أرواح الشهيدتين سندس رضا وشيماء الصباغ، لزيارة وردات أخريات، يقبعن في ظلام سجون السيد محلب، وسيده عبد الفتاح السيسي، مثل سناء سيف ويارا سلام، وعشرات، بل مئات، من المعتقلات، اللاتي بلغ الحال ببعضهن أن يترجين القضاة أن يحكموا عليهن بالإعدام، سبيلاً وحيد للنجاة من انتهاكات وحشية، تصل إلى حد الاغتصاب داخل مراكز الحجز والاعتقال.
ربما، كانت محاولة انعتاق روح ندى الطيران لمصافحة روح صديقتها الصغيرة، زينب المهدي، عضو حزب مصر القوية التي هتفت ضد القبح وضد الظلم، وأعلنت انتحارها قبل عدة أشهر، ولتردد على مسامعها ما هتفت به على صفحتها في "فيسبوك"، في الشهر الماضي قائلة: "نحاط بما فعلت أنفسنا ونرضى باللاشيء بالموت في أي مكان، وفي أي وقت، فنشنق رغبتنا الأخيرة في الحياة.. الخواف قواد فلا تخاف، والحب من شيم الكرام فكن كريم".
هل قرأت ندى، قبل الإقدام على إعلان رحيلها، شيئاً عن آخر استعدادات الاحتفال بعيد جلوس السيسي، فيما يعرف بمهرجان "فرحة مصر" الذي اختاروا له ذكرى ليلة أم المذابح، مجزرة العدوية، وأعلنوا 13 أغسطس/ آب موعدا له؟
الأرجح أنها قرأت رسالة طالب مصري مسجون، تتضمن أحلامه الاثني عشر في هذا العالم، والتي صاغها على النحو التالي، من محبسه بعد الحكم عليه وآخرين، بالحبس 15 سنة. يقول عبد الرحمن الجندي، طالب الهندسة في الجامعة الألمانية إن أحلامه هي:
مخدة بدل الشبشب أسند راسي عليها. حاجة طرية أنام عليها بدل الأرض. أفرد رجلي وأنا نايم، اتقلب. أنام وأنا مطمئن إنى مش هصحى على صوت بيسب الدين أو إيد بتطرقع على قفايا. أدخل الحمام من غير ما اضطر أستنى 25 واحد قدامي. مكان أذاكر فيه وحاجة أعلى من الأرض أسند عليها. أشوف أهلي أكتر من نصف ساعة كل أسبوعين. أشرب مياه نظيفة. أشوف الشمس. أدخل الامتحانات. آخد نفس من غير ما افتكر إنى مسجون.
وربما كانت الروح تحاول التحرر صعوداً، معلنة موتاً عابراً للمبدعة الصغيرة، في الوقت الذي كانت فيه مصر المنقلبة على حلمها الكبير، ثورة يناير، تنشغل، وتنتحب قلقا على المستقبل السياسي، لعجوز الثورة المضادة، الغارق في أوهام تزوير نتيجة انتخابات الرئاسة، وتشتعل الفضائيات والصحف بالحزن على حالة الخصام المصطنع بينه وبين الجنرال الأصغر الذي التهم كعكة الحكم وحده.
لقد تعامل الجميع، الذين يعرفونها، والذين يسمعون باسمها لأول مرة، مع قصة رحيل ندى باعتبارها عزفت لحنا حزيناً، وتركت عالماً يموج بالقبح والرداءة، حملت فنها الجميل، وانتبذت فيه مكاناً قصياً، بعد أن رأت الوسط الفني يرتد إلى ابتذالات "حارة العوالم"، ويصبح الرقص والتعري تحت أقدام السلطان، مقياساً وحيداً للفن الهادف، والوطنية.. لما لا ترحل، وهي التي دونت على صفحتها "يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسياً".
أعلنت ندى موتها، مؤقتا، قبل هذا اليوم الذي لن يكون مفاجئاً لأحد أن يقدم فيه الشيخ مظهر، مع فنانة تجديد الخطاب الديني، رقصة ثنائية خليعة، ابتهاجا بتجديد حبس الأزهري الثوري النبيل، أنس السلطان، على مسرحٍ يقام خصيصاً فوق قبر الشهيد عماد عفت.
تمنت ندى موتها قبل هذا اليوم الذي يعلن فيه رئيس حزب الليبرالية المصرية القديمة في بيان مشترك، مع رئيس شركة المقاولات العريقة، الذي صار رئيساً للحكومة فجأة، أن الرب قد وقع اختياره على عبد الفتاح السيسي، وأرسله لكي ينقذ مصر ويجمعها.