مهمة المبعوثين في سورية
يتذكّر العالم أنّ هناك مبعوثاً أممياً للسلام في سورية عندما يظهر في مؤتمر صحافي ما، أو في لقاء دولي يكون الموضوع السوري محوراً له، هذه المرّة كان على المبعوث الأممي أن يقدّم إحاطة يطّلع بها مجلس الأمن على آخر مستجدّات الملف السوري. أظهر غير بيدرسون مسحةً من التفاؤل، وبدا فرحاً بتوافد بعض وزراء الخارجية العرب إلى دمشق، وظهور وزير خارجية النظام في بعض العواصم التي كان من المستحيل أن يظهر فيها سابقاً، واعتبر بيدرسون أنّ مثل هذه اللقاءات تسهّل العمل في الملف، وتساهم في حله، وقد اعتبر أن الزلزال الذي حدث شكَّل فرصة أخرى تزيد من احتمال التوصّل إلى تسوياتٍ سلمية، وكأن ما يهم بيدرسون أن تشهد دمشق ازدحاماً سياسياً، وتكثر فيها السفارات وتتهافت عليها مساعدات الزلزال، من دون أن يقول كيف يمكن لهذه اللقاءات والزيارات أن تخفّف من معاناة السوريين، أو كيف يمكن أن توصل إلى الحلّ السلمي الذي شدّد على أنه الطريقة الوحيدة للخروج بسورية من نفقها المظلم الطويل.
قد لا تتعدّى مهمة هذا المبعوث مستوى الاستماع إلى الأطراف المختلفة وممثلي الدول المتورّطة، مع تمتعه بالقدرة على زيارة دمشق والخروج منها آمناً، ثم الاجتماع مع وجوه المعارضة والتحدّث عن لقاء جنيف. وهذه الإحاطة التي قدّمها بيدرسون برمتها مجرّد موعد بيروقراطي يضربه مجلس الأمن في تاريخ محدّد ليستمع إلى التقرير المكرّر الذي يحرص بيدرسون على تغيير صياغاته من دون أن يكون هناك أي محتوى مختلف. وتضاف هذه الوثيقة إلى الملف الوظيفي للمبعوث الأممي لتبرير الذمّة المالية عند انتهاء العام. يمكن أن ندرك محدودية قدرة الأمم المتحدة على إحداث الاختراقات، وهذا نتيجة طبيعةِ عملها غير الملزم، ولكن وظيفة المبعوث الأممي إلى سورية أساسية ضمن مؤسّسات الأمم المتحدة، وهذه الإحاطة جزء من عمله، بل كادت تكون عمله الوحيد في الفترة الماضية كلها.
قد يبدو سفراء أميركا أكثر وضوحاً من بيدرسون، رغم أنّ المبعوث الأميركي لا يمتلك أي مفاتيح لحل القضية، ولكنه قادر على التحدّث بهامش حرية أكبر، وسيأخذ باعتباره مصالح حكومته بالدرجة الأولى، وهذا ما قدّمه قبل أيام المبعوث السابق جويل ريبورن في جلسة استماع يمكن تسميتها إحاطة، فقد تحدّث بشكل مباشر، وسمّى الأشياء بأسمائها، فردّد كلمة مجزرة وجرائم مرّات ومرّات، وهو يوجّهها بكل وضوح إلى نظام الأسد، ثم انتقل إلى اتهام الجانب الأميركي نفسه بالتقصير في الملف السوري، وأشار إلى أنّ الإدارة الحالية تتيح الفرصة لإعادة دمج النظام السوري بالإقليم من خلال رفع عقوباتٍ عنه بعد زلزال 6 أكتوبر. يحتوي كلام المبعوث السابق أوجهاً سياسية، يريد بها أن يتهم الإدارة الديمقراطية، لكنّه بالفعل مليء بالحقائق والوقائع، بعكس مبعوث الأمم المتحدة الذي يحرص على الوقوف بعيداً عن المشهد، ويتحدّث بجمل وعبارات عامة لا يُفهم منها شيء.
لا تنفع لحل المشكلة السورية سياسةٌ تهدف إلى تبرير المواقف فقط، فالأمم المتحدة تعيّن مبعوثاً لتقول إنها تساهم، بوصفها منظمة دولية، في حل النزاعات، وهذا جزءٌ من عملها الذي أنشئت من أجله. ويعين الأميركان مندوباً يكون همّه الأول سياسياً ليحشد الدعاية لحزبه ودعاية مضادّة لخصمه، ولكن الأمم المتحدة وأميركا لم تكونا وحدهما من عيّنت كلٌّ منهما مندوباً، فقد عيّنت أوروبا مندوباً، كما عينت جامعة الدول العربية في السابق واحداً، وكذلك روسيا وتركيا. مع ذلك، لم تخرج مهمة هؤلاء جميعاً عن الجوانب الشكلية، في حين أنّ الحل العادل معروف وطريقة فرضه معروفة أيضاً، وكلّ الدول المعنية تدرك ذلك، لكنّ هذا الحل يدخُل في بازار السياسة، ويخضع لقانون العرض والطلب التجاري، ولن يُفرَض مثل هذا الحلّ قبل أن تكون دول الإقليم المؤثرة والدول الكبرى قد نالت حصّتها، أو شيئاً مُجزياً منها على الأقل.