من يريد بشّار الأسد؟
عقب لقاء القمّة العربية في مايو/ أيار الماضي في جدّة، حيث دعي بشار الأسد بشكل رسمي، شهدت الليرة السورية انخفاضاً كبيراً، وكان أمل النظام وشارعه الموالي أن تنعش دعوةُ سورية الاقتصادَ المنهار، أو تشكّل الخطوة الأولى في زحزحة الوضع المعيشي المزري المخيِّم على سكان المناطق التي تعيش في كنف النظام. ولكن يبدو أن الدعوة كانت مجرّد سبر سياسي، ولم يرافقها أي نشاط يتعلّق بتحريك اقتصاد البلد، وجرى الاقتصار على إعادة المقعد السوري إلى النظام وتمكين بشّار الأسد من الجلوس مع القادة العرب، ومنحه فرصةً للحديث.. لم يترُك ذلك الحدث وراءه إلا مزيداً من الانهيارات في حياة الناس. وقد يبدو اللقاء التلفزيوني الذي أجرته مع بشّار الأسد قناة سكاي نيوز عربية، وبثّته الأربعاء الماضي، فرصةً مشابهة للحديث، من دون أن يكون لذلك تأثير إيجابي على الأرض، ومن دون أن يعطي مؤشّراً على أن الجهات التي سمحت باللقاء معه وعرضه على شاشة التلفزيون مستعدّة لأن تقدّم ما يتجاوز هذه الخطوة. وباستقراء بسيط، يمكن أن نتوقع مزيداً من الانخفاض في سعر صرف الليرة، وهذا ما حصل بالفعل، ومزيداً من تحطيم الاقتصاد، خصوصاً أن الأسد ظهر في المقابلة كما نعرفه تماماً، من دون أية مفاجآت أو تغييرات تُذكر.
منذ السؤال الأول، حرص الأسد على أن يعكس صورة لنظامٍ يحمل تقاليد ديكتاتورية عريقة، لا ترى إلا نفسها في مرآةٍ ضخمة تغطّي الأفق. ومن بداية المقابلة، ذكر أن كل الذين خرجوا معارضين لنظامه منذ أيام الثورة الأولى لا يتجاوزون المائة ألف في كل المحافظات! تُذَكِّر هذه المائة ألف التي تحدّث عنها بنسبة تتجاوز الـ99% التي كان يفوز بها والده في أثناء تجديد البيعة، وورث عنه نسبةً مشابهة. لم يتساءل المذيع عن ماهية المنظار الذي كان يرتديه بشّار وهو يشاهد على الشاشات المظاهرات الحاشدة ضدّه في أرجاء سورية. وفي الجواب التالي، ردّ بثقة بأنه لو أتيح له أن يعيد شريط الأحداث بعد أن خبِرَها لكان تصرف بالطريقة ذاتها بالضبط، ولم يبدُ نادماً عن الأفعال التي قام بها طوال سنين الثورة النشطة، بل تحدّث باستفاضة عن مؤامرة، من دون أن نفهم غاية الاستهداف الخارجي لنظامٍ رديء كالذي يمثله. وقد اعترف بعدم وجود كهرباء وماء ومدارس وصحّة في سورية، قال هذا من دون أن يعي أنه المسؤول الرئيس عن تأمين ذلك كله، وتوّج حديثه في ردّه على سؤال التنحّي، من دون أن يهتزّ أو تتغيّر ملامحه، كي يبدو "صادقاً"، فقال إن التخلي عن المنصب في تلك الظروف يُعدّ هروباً من المسؤولية! وبذلك يَعتبر بشّار نفسه شجاعاً، لأنه بقي ولم يغادر حين طُلب منه الرحيل.
يمكن اتخاذ هذا الحديث صورةً عما تعانيه سورية، وما هو مسلط عليها منذ نصف قرن، حيث كان التطوّر يمضي سريعاً في العالم، فيما الركود الآسن يخيّم على هذه البقعة المنكوبة. تجاوزت البشرية عتبات مهمة في التطوّر، ونمت أمم على مسافاتٍ يسيرةٍ من حدود سورية، وما زال ساكن القصر الجمهوري في المهاجرين يتحدّث بهذه الطريقة، وتنقلها القنوات الفضائية على أنها مقابلة حصرية لرئيس سوري، ليس لديه فكرة عما تسمّى معارضة، ولا أحد سوري يمثل الوطنية إلا هو، وكل من على الكرة الأرضية يتآمر على هذه البلد، وهو رئيسها. بهذه الطريقة وهذا الطرح المتهالك، يمكن أن تمتدّ المأساة عقوداً مقبلة. ويمكن للمسألة أن تستعصي أكثر، فهذا الرجل وطريقته في التفكير والحكم ما زالا يستهويان من يُفسحون له المجال، ليتحدّث على التلفزيون، ويوسعون له المجالس، فيجلس على كرسي جامعة الدول العربية نائباً عن الشعب السوري، ويعتبر حالة البلاد المتردّية، ووجود نظام الأسد واستمراره أمران غير مرتبطين بعضهما ببعض.