من يحلّ مشكلة اللاجئين في لبنان؟
تعود السلطة في لبنان، عند كل منعطف، إلى دقّ ناقوس قضية اللاجئين (السوريين والفلسطينيين)، بغرض ابتزاز المجتمع الدولي. لا يعني الأمر أن الوضع يحتمل هذا التفلّت وعدم ضبط وضع اللاجئين في لبنان وتنظيمه، ولا يعني التطبيع مع الكلام اليميني الذي لطالما هيمن في مواضع كهذه، ولا يعني السماح لمن ترتبط أسماؤهم بأصل المشكلة السورية خصوصًا، بشكل مباشر أم غير مباشر، بشكل سياسي أم مصلحي، أن يوهموا الآخرين بأنهم يريدون الحل، ليس وفقًا لأي شرعية قانونية دولية، فهذه الأطراف غير موثوقة، لأنها تعيش على هذا النوع من الأزمات تاريخيًا من ناحية، ولأنها جزء من أصل المشكلة من ناحية ثانية.
إلا أن المشكلة ليست في ضرورة البحث عن حلول فعلية تعالج الوضع الناتج عن مشكلة اللاجئين، بقدر ما هي في الشخصيات التي تتطرّق إلى الأمر أولًا، وفي السبب الذي على أساسه يجري تسويغ مثل هذه الخطب ثانيًا، وفي المجتمع الدولي الذي يطالبونه بإيجاد الحلول ثالثًا.
من الناحية الأولى، من يطالب بعودة اللاجئين بهدف التخفيف من حدّة الوضع الاقتصادي الكارثي في لبنان، هو إما مشاركا في هذا الوضع من ناحية رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، أو إنه يغطي على بعض المتسببين بهذا الوضع من ناحية البطريرك بشارة الراعي. وقد أطل قبل أيام كل منهما ليتكلما عن ضرورة معالجة مشكلة اللاجئين، بهدف التخفيف عن كاهل لبنان. فاعتبر الراعي أن على المجتمع الدولي التخفيف عن لبنان المرهق اقتصاديًا، بإيجاد حل نهائي لمشكلة اللاجئين التي تهدد وحدة الكيان. في حين اعتبر ميقاتي أنه لم يعد في استطاعة لبنان تحمل هذا العبء، مطالبًا المجتمع الدولي بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وإلا سيضطرّ لبنان إلى إخراجهم من خلال التشدد في تطبيق القوانين، بما يعني "تهشيلهم" بطريقة أو بأخرى. وهو ما لاقى ترجمته في جريمة عنصرية جرت في مجدل العاقورة، حين استقدم أحد الملاكين عمالا وأطفالا لقطف محصوله الزراعي، معظمهم من السوريين، وعندما انتهوا اتهمهم بالسرقة، واستعان بمجموعة من العناصر لتعذيبهم بوحشية، تردد أن بعضهم من جهة أمنية.
الراعي يحمي سلامة وعون من منطلقات طائفية، متغاضيًا عن كل ما اقترفاه
من غير الضروري التذكير بأن الراعي من أشد المدافعين عن حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، كما أنه من أبرز المماهين بين موقع رئاسة الجمهورية وهوية من يشغله، بحيث يحمي الرئيس ميشال عون بكل ممارساته التي تمعن في انهيار البلد. فالراعي يحمي سلامة وعون من منطلقات طائفية، متغاضيًا عن كل ما اقترفاه. سواء لناحية دور سلامة ومسؤوليته هو ووزراء المالية عن انهيار الليرة وانهيار وضع الدولة المالي جرّاء سياسات خاطئة كانت على حساب الناس وودائعهم وتعبهم، لصالح المصارف والطبقة الحاكمة. كما أن الراعي دافع عن عون الذي يعمل، منذ تسلمه الرئاسة، لحساباتٍ عائلية تقوم على تجيير مصالح البلاد لخدمة صهره جبران باسيل، ووصوله إلى موقع الرئاسة الأولى.
ومن ناحية ميقاتي، من غير المستغرب أن يكون هو من يطالب بإعادة اللاجئين، السوريين خصوصًا، ذلك لأن من ينظر بعين السلطة لا يرى إلا بعينها، وهو الذي يرتبط اسمُه بشبكة مصالح تجمع الأسد ونظامه وحلفاءه في لبنان، وفي مقدمتهم حزب الله، أي الشبكة المسؤولة عن مشكلة اللجوء أساسًا. إن كان قبل اغتيال الحريري الأب، حين كان النظام السوري وحلفاؤه اللبنانيون يرتضون معالجة مشكلاته الاقتصادية، وفي مقدمتها بطالة اليد العاملة السورية، على حساب الوضع الاقتصادي اللبناني. وصولًا اليوم إلى عمليات تهريب المحروقات والطحين والأدوية المدعومة من لبنان إلى سورية، والتي تجري على قدم وساق بتسهيل القوى السلطوية والأوليغارشية ذاتها، وهي التي تستفيد من الفارق المتأتي عن قيمة العملتين اللبنانية والسورية إزاء الدولار، إنْ على حساب لبنان أم على حساب المقيمين فيه. ناهيك عن الدخول في الملفات التفصيلية التي ترتبط باسم ميقاتي، في مقدمتها استفادته من تقديمات مصرف الإسكان على حساب حق اللبنانيين واللبنانيات بتأمين السكن اللائق.
الطبقة الحاكمة في لبنان ليست الجهة المخوّلة معالجة أي قضية
ثم هل يعلم الراعي وميقاتي، وهل لديهم أرقام حقيقية وفعلية عن عدد اللبنانيين واللبنانيات الموظفين والموظفات في المنظمات غير الحكومية، التي تنشط في المشاريع والبرامج التي تتابع وضع اللاجئين في لبنان على مختلف المستويات؟ وأخيرًا، هل يمكن السكوت عن تلذّذ المجتمع الدولي بقتل السوريين والفلسطينيين وتهجيرهم من بلديهما، من دون تحريك أي ساكن؟ هل يمكن لمن ساهم بدعم الجاني، أو لمن اكتفى بمشاهدته وهو يبيد الناس، ولمن راقب ويراقب بصمت تنامي مشكلة اللجوء بعد تهجير الملايين خارج بلادهم لتحقيق نوع من التغيير الديموغرافي الذي يسعى إلى غلبة طائفية وإثنية في الداخلين السوري والفلسطيني، أن يكون جزءا من الحل؟ ثم ألم يرسل المجتمع الدولي أموال دعم اللاجئين إلى السلطات اللبنانية، بهدف رمي المسؤولية عن كاهله، في حين أن الجميع يعلم أن كثيرا من هذه الأموال كانت تذهب إلى حسابات الممسكين بالسلطة، ولم يكن يصل إلا النزر اليسير منها إلى اللاجئين؟
لا يعني هذا الكلام أن الأزمة الناتجة عن كثافة وجود اللاجئين وفوضاها لا تستدعي الحل الجدي. بل كل ما تقوله هذه المقالة أن من يوهمنا بأنه يريد الحل هو من يعيش فعليًا على عدم وجود الحلول، الأمر الذي يعيدنا إلى النقطة الأساس لكل المشكلات، وفي مقدمتها الانهيار الذي يعيشه لبنان: هل يمكننا إغفال حقيقة أن كل الطرق تصبّ في طاحونة واحدة، أن الطبقة الحاكمة في لبنان ليست الجهة المخوّلة معالجة أي قضية؟