منكوبون ومكلومون ووحيدون
مصيبة واحدة تجمع الأتراك والسوريين بعد أن أحال الزلزال وهزّاته الارتدادية مدناً عدة إلى مجرّد أكوام هائلة من الدمار، وحصد آلاف الأرواح وعشرات آلاف الجرحى وملايين المشرّدين المنكوبين في البلدين.
يجد السوريون أنفسهم، منذ فجر الإثنين الماضي، يكابدون بمفردهم وبأياديهم العارية لانتشال الأحياء والأموات من بين الركام. حجم المساعدات الخارجية أقلّ مما تفرضه فاجعة كهذه، وبشكل أدقّ شبه معدوم، مع أن الوقت حرفياً من ذهب. يفتقد السوريون مرّة جديدة يد العون، على الرغم من أن لا وقت حالياً إلا للإغاثة. إغاثة من قد لا يزالون أحياء تحت الأنقاض ومن لا زالوا أحياء فوقها وفقدوا في لحظات أقاربهم ومنازلهم وأمانهم ويعيشون في العراء أياماً سوداء، يفاقمها الطقس العاصف والهزّات الارتدادية.
لا عقوبات ولا معابر غير متفق عليها يجب أن تعيق تدفّق كل ما يمكن إيصاله من مساعدات تسرع جهود الإنقاذ وتغيث السوريين. طلب النظام مساعدة الاتحاد الأوروبي بعد تفعيل آلية الحماية المدنية التابعة للاتحاد، وشجّع الأخير دوله على الاستجابة إيجاباً. وأعلنت الولايات المتحدة أنها تعمل، مع شركاء لها في سورية، لتقديم المساعدة للمنكوبين جرّاء الزلزال. أما تركيا فأعلنت فتح ممرّات ثلاثة، عبر معابر باب السلامة والراعي وباب الهوى، لإدخال المساعدات، بدءاً من أمس الخميس، بعدما أعاقت آثار الزلزال القدرة على استخدام معبر باب الهوى طوال الأيام الماضية. ولكن العبرة تبقى في التنفيذ، لضمان أن تصل المساعدات إلى المتضرّرين وتلبية الاحتياجات الماسّة سريعاً، لأن الوضع لم يعد يحتمل أي تأخير. .. ودول الجوار السوري، تركيا والأردن ولبنان والعراق، يمكنها فعل الكثير.
دخول فرق الإنقاذ والمعدّات الثقيلة كان يفترض أن يكون الأولوية منذ اللحظة الأولى، لأن الحاجة ماسّة لها لانتشال من يكون قد بقي على قيد الحياة بعد هذه الأيام الطوال، ولرفع الردم في مرحلة لاحقة تليها خيم الإيواء ووسائل التدفئة والمواد الطبية والغذائية.
لن يكون بمقدور السوريين الخروج من هذه الكارثة من دون عون، ومن دون تسييس اللحظة من أي طرف. كل دقيقة تُهدر في سجال سياسي هنا أو هناك تخصم من رصيد الأحياء تحت الأنقاض. يحتاج السوريون المنكوبون والمكلومون كل مساعدة ممكنة من المجتمع الدولي بأسره للتعامل مع آثار الكارثة على المديين القصير والمتوسط.
واجه السوريون خلال السنوات الأخيرة تقلصاً ملحوظاً في حجم المساعدات مع تراجع التمويل لبرامج الأمم المتحدة، وهو ما جعلهم أساساً يكابدون بشكلٍ مضاعفٍ مع انهيار الاقتصاد والغلاء. أصبح الوضع الذي لم يكن محتملاً قبل الزلزال خارج أي قدرة محلية على التعاطي معه، مهما تضافرت الجهود وبذلت المساعي.
على المجتمع الدولي تحمّل مسؤوليته في هذه اللحظة، ووضع خطط طارئة لتمويل كامل لبرامج الأمم المتحدة، وتقديم مزيد من المساعدات تخفّف من حجم الكارثة وعدم انتظار مؤتمر للمانحين تم بدء الحديث عن عقده في مارس/ آذار المقبل.
يفترض أن لا يكون ترك السوريين هذه المرّة في مصيبتهم خياراً وارداً لدى أي طرف، مهما بلغت المحاذير من توظيف الكارثة وتسييسها. تقديم المساعدات للمتضرّرين في مناطق سيطرة النظام والمعارضة سريعاً هو الوسيلة الوحيدة للقول للسوريين إنهم لم يُخذلوا مجدّداً.
أكثر من عقد والموت يلاحق السوريين أينما حلّوا، وكأنه استوطن بينهم إلى ما لا نهاية، يهزمهم في كل مرة يفرض نفسه عليهم من دون استئذان. وهذه المرّة أقسى. هم يواجهون كارثة طبيعية حلّت بهم، لا تكفي معها مبادرة شعبية من هنا أو هناك، أو تحرّك دولة واحدة أو حتى دول معدودة.