مكان تحت الجُحر

12 مارس 2023
+ الخط -

لا أدري إن كانت زوجة بنيامين نتنياهو قد أكملت قصّ شعرها في صالون الحلاقة النسائي قبل أن تحاصرها جموع المتظاهرين الغاضبين وهم يصرخون: "البلد يحترق وزوجة نتنياهو تقصّ شعرها"، فليس ذلك هو مربط الحمار، بل الأهم هو الحصار الذي يتعرّض له نتنياهو نفسه وهو يمارس "قصًّا" من نوع آخر في صالون عالميّ أضخم لم يحسب له حسابًا.

السؤال هنا: هل أخفق صاحب "مكان تحت الشمس" عندما اختار الغروب لحظةً مواتية للخروج من الجحر؟ السؤال موجّه إلى نتنياهو، بالطبع، مؤلف الكتاب بهذا العنوان، الشخص الذي يحسب أنه الأكثر تقلدًا لمنصب رئاسة وزراء إسرائيل، بوصفه شخصية سياسية تستهوي المتطرّفين الصهاينة بأفكاره الليكودية القائمة على حق اليهود في الاستيطان على كلّ شبر في فلسطين.

قبل ذلك، كان نتنياهو بارعًا في اقتناص لحظة الخروج من الجُحر؛ باعتباره تلميذًا نجيبًا لمعلّمه إريئيل شارون؛ ليخوض الانتخابات، ويحصُد أعلى الأصوات. كان يلعب دور "المنقذ" في اللحظات التي يشعر فيها الإسرائيليون بالمهانة جرّاء تزايد أعمال المقاومة الفلسطينية، ليعيد الأمور إلى "نِصابها"، فيمعن في أساليبه الوحشية لردع المقاومة، والذي يترافق مع استئناف حركة الاستيطان على نحو أزيد مما كان عليه، يساعدُه في ذلك ظرفٌ دوليّ "متسامح"، وعربيّ "متصالح".

وكان يمكن أن يستمرّ الأمر على هذا النحو في رئاسة وزراء نتنياهو الحالية، لولا أن "الشمس" لم تكن مواتية هذه المرّة للفأر الذي خرج من جحره بحثًا عن مكانه اللائق، ربما بدافع الغرور الذي زيّن له أنه ما زال قادرًا على لعب دور "المنقذ" في أيّ لحظةٍ يشاؤها، بحكم تجاربه السابقة، غير أن حساباته كانت خاطئة، تمامًا، هذه المرّة، بدليل ما يحدث داخل إسرائيل من جهة، وعالميًا من جهة أخرى. فلأول مرة، ربما، يواجَه نتنياهو بمعارضة داخلية تصل إلى حدّ حصار زوجته في صالون حلاقة، احتجاجًا على استماتته لتمرير تعديلاتٍ قضائية، أهم ما فيها جواز تطبيق أحكام الإعدام في حالاتٍ معينة، فضلاً عن احتجاجاتٍ أخرى تمسّ أيديولوجيته المتطرّفة ذاتها، وكأنّ الناخب الإسرائيلي يعبّر عن ندمه على انتخاب نتنياهو، وهي احتجاجاتٌ مرشّحة للتفاقم، وربما تطيحه إذا تبنّاها الكنيست لاحقًا وتحوّلت إلى طرح ثقة.

كما أخفق نتنياهو في قراءة الظرف الدولي الذي لم يعد متسامحًا مع أيّ أعمالٍ خارجة على قوانين السيادة، فكيف بـ"الإبادة" التي دعا إليها وزير في حكومته لمحو بلدة حوارة. ومن الواضح أن المجتمع الدولي يمرّ حاليًّا بظرفٍ بالغ الحساسية مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، التي تجعله مدانًا إذا كال بمكيالين. ولربما لهذا السبب كانت الإدانة الأميركية شديدة اللهجة لتصريحات الوزير الإسرائيلي، وكذا إدانات دول التطبيع التي أعقبت الإدانة الأميركية لأسباب مفهومة، فضلًا عن أنها من المرّات اليسيرة التي يزور فيها مفوّض أوروبي المناطق الفلسطينية المنكوبة بهجمات المتطرّفين الصهاينة، ويصرّح أنّ الوضع في الأراضي الفلسطينية "مأساوي".

لم يكن هذا زمن نتنياهو بكلّ المعايير الداخلية والخارجية، الذي ظنّ أنه ما زال يعيش زمن تفجير برجي التجارة العالمية في نيويورك سنة 2001، التي استغلّها عرّابه الروحي شارون أسوأ استغلال، عندما أقنع العالم أن "الإرهاب لا يتجزّأ"، وأن إرهاب الفلسطينيين لا يقل بشاعة عن تفجير البرجين، وليجعل أعمال المقاومة من أشكال الإرهاب، وجرّد حملة عسكرية ضارية ضد مناطق السلطة الفلسطينية وصلت إلى حصار مقرّها وفي داخله الرئيس الراحل ياسر عرفات.

لسنا في وارد الرهان على الزمن الذي برهن أنه يعمل لصالح إسرائيل دائمًا، لكن اليقين الذي نطمئنّ إليه مؤقتًا أن الظرف الدولي الراهن لا يخدم نتنياهو وغروره، ولربما شكّل خطأ نتنياهو بالخروج من جُحره بداية نهاية مستقبله السياسي، على الأرجح. أما "الشمس" التي يبحث عن مكان تحتها فستحرقه لأنها لن تشرق إلا للشعوب المحتلة وحدها. ولربما كان حريًّا به أن يضع مؤلَّفًا آخر بعنوان "مكان تحت الجُحر".

EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.