مع عاطف أبو سيف

13 فبراير 2015

عاطف أبو سيف ... كاتب فلسطيني ممنوع من السفر

+ الخط -

سخر صديقنا الراحل، محمد طمليه، مرة، من حركتي فتح وحماس، إبّان جولة اقتتالٍ مسلح بينهما، فكتب يتمنى عليهما أن يواصلا القتال، إلى أن يتخلص الشعب الفلسطيني منهما معاً. وللحق، فإن منسوب الرداءة والتفاهة ومقاديرهما في سلوك الحركتين المذكورتين، في غير شأن ومسألة، يضطر الفلسطيني، أحياناً، إلى أن يتمنّى التحرر منهما معاً، وإنْ ليس بالاقتتال طبعاً. ومناسبة فشّة الخلق هذه، هنا، أن الغرَّ الميامين في حركة حماس، الحاكمة إلى الأبد فيما يبدو في قطاع غزة، منعت الكاتب والروائي، عاطف أبو سيف، من السفر، فيما كان يهم بالخروج من معبر بيت حانون، ليسافر إلى الدار البيضاء، للمشاركة في فعاليات ثقافية في معرض الكتاب هناك، مع جمع من الكتاب والمثقفين المستضافين في أنشطة وندوات وقراءات عن فلسطين باعتبارها ضيف شرف في المعرض. نشرت الجرائد أن "الواسطات" مع الصناديد في الحركة العتيدة لم تفلح في ثنيها عن ارتكاب هذه الحماقة، والتي قال أبو سيف إنه لم يُبلغ بسببها، وإن الأوامر كانت لدى عناصر الأمن في المعبر بأن تعليمات المنع واضحة.
لا ضرورة لأن نعرف السبب، طالما أن المؤكد أن الكاتب والأستاذ الجامعي غير مدان في جريمة، لا سمح الله، وطالما أن للسلطة الفلسطينية الظافرة وحدها حق حيازة سلطة المنع والقمع، على ما هو بديهي، وليس لهذه الحركة أو ذاك الفصيل. وكان ظننا أن فرية المصالحة إياها أنهت تلك المسخرة، وأعادت إلى حكومة وطنية وفاقية صلاحياتها، ومنها سفر فلان وعدم سفر علان. وللحق، لم نكن ننتظر واقعة عاطف أبو سيف حتى نتبيّن أيَّ قاع يقيم فيه الحال الفلسطيني، والذي مرّر علينا ذوو الشأن فيه، أنهم تصالحوا، وأنهم ما باسوا وجنات بعضهم، في آخر نوبة مصالحة في ما بينهم، إلا عن حق وحقيق، وعن فائض من مشاعر الود. وأن يُقال إن الكاتب والروائي الممنوع من السفر فتحاوي، فلا مدعاة لدبّ الصوت عالياً، فالأمر طبيعي، فذلك يعني أن سامع هذا القول يحتاج إلى قريحة محمد طمليه ليطلق زفرة أسى، محزنة مضحكة في آن.
لم تتيسر بعد لكاتب هذه السطور قراءة رواية أبو سيف الجديدة، "حياة معلقة"، وهي الخامسة له، لكن ثناء غير صديقٍ عليها يؤشر إلى موهبة صاحبها السردية، وهو الأكاديمي في العلوم السياسية، ويحمل فيها شهادة عليا من بريطانيا. ويُغري حماس صديقنا، خالد الحروب، عندما يكتب أن أبو سيف، في روايته هذه، "ينتقل بثقة إلى الصف الأول من روائيي العربية اليوم"، يغري بالانتباه إلى كل أعمال هذا الشاب (مواليد 1973). وقد طالعنا له نصوصاً ومقالات في غير شأن سياسي ووطني، ولم نلحظ لديه ما يسوّغ حنق مشايخ "حماس" عليه، فهو ليس من أصحاب لغة الزعران إياهم من الفتحاويين إياهم. وتنشغل "حياة معلقة" بحال غزة المحاصرة، وبتحولاتٍ فيها منذ الانتفاضة الأولى، وبطلها تخترق جسده رصاصة، بينما لم يكن راغباً بالموت، والذي جاءه بالمصادفة، فيما كان يمنّي نفسه بيوم جميل.
يخلو مقعد عاطف أبو سيف في ندوات معرض الدار البيضاء للكتاب الذي يبدأ اليوم، إلى جانب مقاعد زملائه الكتاب الفلسطينيين. وفي هذا الأمر، تضيف حركة حماس إلى منجزاتها في المنع والقمع ما يساعدها في محاججتها نظيرتها "فتح" بأن في مقدورها، أيضاً، أن تمنع وتسجن، وليس ثمة أحد أحسن من أحد. جيّدٌ أن يعرف جمهور معرض كتاب دولي في بلد عربي أن حركة المقاومة، الباسلة في صمودها ومواجهتها الجسورة ضد العدو الإسرائيلي، وفيّة للتقاليد العربية إياها، في مواقع السلطة والتحكم. وإنْ باعتداءٍ صارخٍ على الثقافة الفلسطينية، هذه المرة، على ما رأى بيان مثقفين فلسطينيين، استهجن تلك الفعلة الغبية.


  

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.