مصر تتكيّف مع سدّ النهضة
كشفت تصريحاتٌ أدلى بها وزير الخارجية المصري، سامح شكري، لقناةٍ فضائيةٍ مصرية، عن تطوّرات الموقف المصري من قضية سد النهضة، وأهمها أن مصر لن تعود إلى مجلس الأمن بشأن الخلاف مع إثيوبيا حول السد.
سبق للقاهرة أن حاولت مرّتين استصدار قرار أو موقف أممي رسمي من خلال المجلس، غير أن مساعيها لم تجد تجاوباً من الدول الأعضاء، خصوصاً الدول الخمس الكبرى صاحبة حقّ النقض (الفيتو)، بل إن مجلس الأمن أكّد، في المرّة الثانية، أنه غير معنيٍّ بالقضية، ووجّه الدول الثلاث، مصر والسودان وإثيوبيا، إلى الاعتماد على الاتحاد الأفريقي في حل ذلك النزاع حول السدّ أو تسويته. أي أن تصريحات شكري قبل أيام تُمثل، بشكلٍ ما، انصياعاً لتجاهل مجلس الأمن، فقد توجّهت مصر إلى مجلس الأمن للمرة الأولى عشية قيام إثيوبيا بالمرحلة الثانية من ملء خزّان السد قبل عامين (في يوليو/ تموز 2021)، ثم عادت تناشد المجلس التدخل مع الملء الثالث في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي (2022). ويبدو أن اقتراب موعد الملء الرابع أثار توقّعات بأن القاهرة ستعود إلى مجلس الأمن مجدّداً، وهو ما نفاه وزير الخارجية رسمياً.
لكن الوزير المصري ألمح إلى امتلاك بلاده خيارات أخرى، وأكّد قدرتها على اتخاذ كل الإجراءات التي تحمي الأمن المائي المصري. وقد تكرّر هذا التلميح خلال الأعوام الماضية بأشكال متعدّدة. في الوقت ذاته، أقرّ الوزير بفشل الاتحاد الأفريقي في إحراز أي تقدّم بهذه القضية، أي أنه أغلق بابي مجلس الأمن والاتحاد معاً، وبالتالي، يصبح السؤال: إلى من ستّتجه القاهرة إذن؟ إجابة سامح شكري لا تسمن ولا تغني، فقد قال إن مصر ستخاطب من وصفهم بـ"الشركاء الدوليين"، من دون تفاصيل، مثل هوية هؤلاء الشركاء وطبيعة المطالب المصرية منهم، أو الخيارات الأخرى التي قد تلجأ القاهرة إليها.
وإضافة إلى أن أولئك "الشركاء" بالتأكيد يشملون الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، الذين رفضوا الانخراط في القضية من قبل، هذه الدول الأخرى التي تملك أوراق ضغط حقيقية في هذا الملف المصيري، هي ذاتها الدول التي تبنّت في السنوات الماضية مواقف معاكسة لمصر. بل يُفترض أن بعضها شقيقة لمصر، وهي حليفة لنظام أبي أحمد ولها روابط وثيقة وشراكاتٌ متنوّعةٌ مع إثيوبيا.
حقيقة الموقف المصري من مشروع السد الإثيوبي ثابتة ومعروفة منذ سنوات، وهي سياسة تقبل المشروع في الواقع، مع التمسّك برفضه إعلامياً وفي التصريحات الرسمية فقط. وقد أكّد شكري بتصريحاته من حيث لا يدري هذه الحقيقة، إذ أقرّ بانغلاق كل السبل لوقف المشروع أو إبطائه.
قال شكري صراحة إن لدى وزارة الري المصرية خططاً وإجراءات للتعامل مع تداعيات الملء الرابع. وفي مراحل الملء الثلاث السابقة، كانت مصر قد باشرت إجراءات تكيُف قاسية، شملت الحدّ من زراعة المحاصيل كثيفة المياه (خصوصاً الأرز) ومعالجة مياه الصرف وتبطين المصارف وسنوات الري. ولا أحد يعلم ما هي بالتحديد تلك الخطط أو الإجراءات التي تملكها القاهرة لتطويق أضرار الملء الرابع وما بعده. لكن المؤكد أن الوزير المصري، بتصريحاته تلك، يُطلق رصاصة رحمة على أية توقعات أو تمنياتٍ لا يزال بعض المصريين يُمنّون أنفسهم بها، كأن تتخذ القاهرة خطوة جريئة عملية أو دبلوماسية، أو حتى إعلامياً.
خلاصة تصريحات سامح شكري أن لا شيء جدّياً ستقوم به مصر. وأقصى ما يمكن أن تذهب إليه في مواجهة مشروع سدّ النهضة الإثيوبي الاكتفاء بمعالجة تداعياته والتعاطي مع أضراره.