مشاغل الأجيال الشابّة في الخليج
كثيرة المرّات التي تمّ فيها تناول اهتمامات الأجيال الشابة في بلدان الخليج، بما في ذلك مدى اهتمامها بالقضايا العامة كالتنمية والهُويّة، وانخراطها في الشأن الوطني العام، والوقوف عند الطريقة التي يُفكّر بها الجيل الجديد، والنظرة التي تحكم رؤيته إلى قضايا الشأن العام، التي قد تتوسّل العمل التطوّعي شكلاً لتجليه.
إننا إزاء جيل مختلف، ينشأ في ظروفٍ جديدة مغايرة، وليس ثمّة مدعاة هنا للمفاضلة، كأن نصوّر أنفسنا، نحن المخضرمين، أبناء جيل أفضل، كان أكثر اهتماماً بالقضايا الجادّة مقارنة بأبناء الجيل الجديد. تغيّرت الظروف والمعطيات بصورة تكاد تكون جذرية، ويجد جيل اليوم نفسه على تماسٍّ مع مؤثرات مختلفة عن تلك التي عرفناها، ويخضع في تفكيره وفي سلوكه لعوامل لم تكن قائمة عندما كانت أعمارُنا في أعمار هؤلاء الشبّان الذين ما أكثر ما سمعناهم يتحدّثون بجرأة عن قضايا تندرج في ما كان يعدّ، حتى أمدٍ قريب، مسكوتاً عنه.
يُؤخذ على إعلامنا الخليجي قلّة اهتمامه بهذه الشريحة الحيوية من المجتمع، فيما المطلوب منه أن يكون أكثر تماسّاً مع ما يدور في مجتمعاتنا من تحوّلات وأكثر تفاعلاً معها. ثمّة عُقدة من الموضوعات والقضايا ذات الطابع الاجتماعي أو الثقافي أو التنموي في حاجة إلى مناقشة صريحة ومفتوحة، لكي نحرّر إعلامنا من غربته عن المجتمع، وتُقلل من غلواء المادة الترفيهية المسرفة في برامجه، ومن تلك القضايا ما الذي يقلق الجيل الجديد في الخليج اليوم .. ما هي مشاغله واهتماماته، ما الأسئلة التي يثيرها الوضع الراهن في أذهان أبنائه؟
أسئلة يتعين الوقوف أمامها بجديّة، خاصة أنّ مجتمعاتنا الخليجية، في الإجمال، فتيّة في تركيبتها السكانية، حيث نسبة الشباب ممن تقل أعمارهم عن الثلاثين طاغية، ويدخل هذا الجيل الحياة وهو يواجه، على الأقل في بعض بلداننا الخليجية، مشكلاتٍ في التعليم وفي العمل ونقصَ (وضعف) الخدمات الثقافية وسواها. وعلى كاهل هذا الجيل تقع أعباء معيشية وعائلية مرهقة قد تجعل من العمل التطوعي ترفاً، ماً قد يفسّر، في بعض الأوجه، ضعف مشاركة الجيل الجديد في الشأن العام، خاصة مع القيود التي تفرض على نشاطات المؤسّسات المعنية بمثل هذا النشاط.
أكثر من ذلك، يواجه هذا الجيل، في العمق، قضايا غير مسبوقة تتصل بالهُويّة الثقافية في زمن طغيان العولمة الثقافية التي تقدّم نموذجها الخاص في الثقافة، وليس في الوسع عزل هذا الجيل أو فصله عن تأثير ذلك، بل لعلّ ذلك ليس مطلوباً، فلكي نواجه قضايا هذا العصر يجب أن نزجّ أنفسنا في أتونه، لا أن نهرب منه، بيد أنّ ذلك يتطلب مقاربة شجاعة للتحدّيات التي يثيرها، ويطرحها على تفكير الجيل الجديد وسلوكه في المقام الأول.
أكبر تحدٍّ نواجهه عندما نتحدّث عن قضايا الهُويّة يبرز، في المقام الأول، في صفوف الشباب، ذلك أن المؤثرات الوافدة بفعل آليات الاتصال الراهنة تتوجه مباشرة نحو أذهان هؤلاء الشباب بالذات، فهم الأكثر والأنشط تفاعلاً مع وسائط الاتصال هذه، وهم الأكثر مهارة في سبر أغوارها والولوج العميق في أسرارها ودهاليزها، ولا يمكن الاستخفاف، في النتيجة، بما يتلقّونه من معارف وأنماط تفكير وسلوك من هذه الوسائط، تضاهي، لا بل تتفوق، في أحيان كثيرة، على المؤثّرات التي يتلقّونها من خلال الوسائط التقليدية كالعائلة والمدرسة والمحيط الاجتماعي المباشر، بل من شأن حجم العمالة الوافدة من سياقات ثقافية وحضارية ودينية مختلفة، والموجودة بين ظهرانينا بكثافة، أن يشكل مصدراً للتكوين الثقافي والنفسي للأجيال الجديدة، لم يكن قائماً في حال الأجيال الأسبق، وهو أمر يقتضي دراسته وتحليله ورصد مفاعليه.
تتطلب مثل هذه العناوين العريضة معالجة تفصيلية، برؤية تنطلق من أنّ التعاطي مع هموم الجيل الجديد يتطلب، بدوره، تفكيراً جديداً، ويظلّ أنّ الجوهري في الأمر إيلاء عناية لإشراك الشباب في الشأن العام وإدماجهم فيه، عبر مختلف الآليات الثقافية والاجتماعية، من خلال تشجيع الهيئات الشابة التي يمكن أن تجترح أفكاراً جديدة تلائم وعي الشباب وطموحاتهم وتطلعاتهم، والقضايا التي هم بحكم أعمارهم وحساسياتهم العصرية أكثر قرباً منها، ما يجعل من رؤاهم أقرب إلى المستقبل، وكذا إعادة النظر في المقرّرات الدراسية والجامعية لتكون جامعة بين مقتضيات العصر وضرورات صون الهُويّة الوطنية.