مسلسل التراجع الإخواني
بعد سبع سنوات من الإطاحة القاسية بـ"الإخوان المسلمين" من حكم مصر عام 2013، لم تتعلم الجماعة الدرس. بل على العكس، منحت ملابسات ذلك السقوط في مصر "الإخوان" مزيداً من الحجج والذرائع لتكريس خطاب المظلومية المعتاد لديهم. القائم على أن التعرّض للاضطهاد والحرمان من ممارسة العمل السياسي هو السبب الرئيس في غيابها عن السلطة والحكم. وراهنت الجماعة سنوات طويلة على افتقاد معظم الدول العربية والإسلامية آليات الممارسة الديمقراطية الغربية، خصوصاً الانتخابات، في ترويج أكذوبة أن طريقهم إلى سدة الحكم مُعبّد وسهل، لو أتيحت لهم فرصة المنافسة في انتخابات حرّة ونزيهة. وعلى الرغم من حصول "الإخوان" على هذه الفرصة غير مرة في أكثر من دولة عربية، منها مصر والمغرب وتونس والأردن والسودان، إلا أن المحصلة النهائية في كل مرة كانت فشل الرهان الإخواني وثبوت عجز الجماعة، ليس عن الحصول على أصوات الناخبين، وإنما عن إثبات الجدارة بالحكم، بل وبالانخراط في العمل السياسي بشكل عام.
وطوال السنوات السبع التي مضت منذ إطاحة حكمهم في مصر، استناداً إلى انتفاضة شعبية ضدهم، استغل "الإخوان" الطريقة العنيفة لإسقاطهم في تجديد خطاب المظلومية والقفز على الحقائق، للتنصّل من مسؤولياتهم السياسية والأخلاقية عن أوجه الخلل والنقائص التي شابت فترة حكمهم القصيرة مصر. بينما لم يكن هذا متاحاً لهم في تونس والمغرب، حيث كانوا دائماً طرفاً أصيلاً وشريكاً رئيسياً في منظومة الترويكا الحاكمة في تونس. كما حازوا نصيباً كبيراً على الساحة السياسية ووزناً ثقيلاً ضمن منظومة الحكم في المغرب، فسقطت بالتالي حُجّة الاضطهاد والحرمان السياسي التي طالما استخدموها في مواجهة الدولة في مصر، وبدرجات متفاوتة في اليمن وسورية في أزمنة ما قبل 2011.
وكما كان سقوط "الإخوان" في المغرب ناعماً ووفق آليات سياسية بامتياز، فإنه كان أيضاً كاشفاً لحكم التراجع والانهيار في مكانة الجماعة لدى الشارع المغربي. وإلا لما انحسر نصيب حزب العدالة والتنمية من 107 مقاعد في انتخابات 2011 إلى 13 مقعدا فقط في انتخابات الشهر الماضي (سبتمبر/ أيلول). وتنبع الفجوة الهائلة في عدد الأصوات، من حدوث هذا الانهيار بعد عشرة أعوام متتالية من الأكثرية في البرلمان وتشكيل الحكومة. ما يعني أن الأداء السياسي الفعلي عند الاختبار كان سبباً مباشراً في الانتكاسة الكبيرة.
وينطبق هذا أيضاً، وإن بشكل مختلف، على الوضع في تونس، فعلى الرغم من أن إطاحتهم جاءت بتأويل قيس سعيد للدستور، فإن مواقف كل أركان المعادلة السياسية جاءت مؤيدة له. بما في ذلك المؤسسة العسكرية والاتحاد العام للشغل وأحزاب ليبرالية ومنظمات في المجتمع المدني، فضلاً عن الركن الأهم، وهو الشعب التونسي نفسه، والذي لو لم يكن راضياً عن إجراءات الرئيس التونسي لخرج يرفضها من اليوم الأول، وهو ما لم يحدث، وإن تم شيء من هذا كله لاحقا.
ولا حاجة إلى توضيح أن هذا الإجماع ضد الإخوان المسلمين في تونس بدا منطقياً، بل ربما متأخراً، إذ جاء بعد سنوات من التعطّل والجمود في الحياة الاقتصادية والسياسية والانشغال بصراعات وأزمات الحكم وتنازع أنصبة السلطة عن حل أزمات المجتمع، وتخفيف أعباء التونسيين ومشكلاتهم التي كانت تتفاقم وتزداد تعقيداً بمرور الوقت.
إذاً سقوط الإخوان في المغرب وقبلها في تونس، كان أيضاً لحجة المظلومية والحرمان التي دأبوا على ترويجها طوال العقود التسعة الماضية، ثم قاموا بتضخيمها وإعادة إنتاجها مراراً وتكراراً بعد إسقاطهم بالقاضية في مصر. وليؤكّد المغاربة ما أعلنه التوانسة، من أن فشل "الإخوان" وتعثرهم من داخلهم ولنقص خبراتهم وكفاءتهم السياسية، وليس لضيق الوقت، أو إغلاق المجال السياسي أمامهم.