مرآتي يا مرآتي... هل أنت الدميمة أم أنا؟
كيف فاتني مسلسل "المرآة السوداء"؟ كيف لم تُرسله إليّ خوارزميات "الأخ الأزرق"؟ ربما لم تفُتني المرآة السوداء، بل اختارت توقيتها. فرغم اعتقادنا أنّنا من يتحكّم أو يلعب، إلا أن الحقيقة أنّه يُلعب بنا. فمثلاً، يتطوّع "كوبر" لاختبارات لعبة إلكترونية، فتلعب التكنولوجيا بدماغه، حتى تصبح منازل الرّعب ومواقف الحياة والموت حقيقيّة. لعل الموقف يُشبه في عمقه ألعاب ميتافيرس، التي عرفناها عشر سنوات بعد الحلقة التي ظهرت عام 2011. أين القانون؟ أين الحكومات؟ أين السلطة؟
لعل العدالة الإلكترونيّة وغياب القانون كما نعرفه أبرز ما يُلفت الانتباه إلى الإبداع الذي حملته تطبيقاتها بطرق مختلفة في "المرآة السّوداء". بعضها بمبدأ "العين بالعين". تستيقظ فيكتوريا بلا ذاكرة في منزل مجهول. تخرج وتلاحظ أن النّاس يصوّرونها بهواتفهم، وعندما تتحدّث إليهم يتجاهلونها. بعد رحلة مطاردة مرعبة، تعرف المرأة أنها مذنبة بتصوير جريمة قتل طفلة، ارتكبها صديقها. وقد حُكم عليها بالتعذيب النفسي يومياً. ويُسمح لمن يشاء بتصوير معاناتها اليومية مع محاولات قتلها. في نهاية ذلك كله، تعاد فيكتوريا إلى البيت نفسه، ليتكرّر السّيناريو عشرات المرّات، وهي مدة محكوميتها التي عوّضت الزمن بالتجارب.
في كبسولة أخرى، يجلس رجلان يعملان معاً في منارة، فيما يُفترض أنه احتفال بعيد الميلاد. ينجح أحدُهما في جعل رفيقه الصّامت يعترف بجريمة قتل ارتكبها، ليكتشف هذا أن ما اعتقده خمس سنوات من الزمالة ليس سوى دقائق في العالم الافتراضي. ربما لا يمكن التلاعب بالمجرمين في الواقع، لكن الواقع البديل لا يمانع ذلك.
في قصة أخرى، نجد للعدالة الإلكترونية أساليب مختلفة، لا تكتفي بعقاب القتلة، بل تلاحق الخونة والمنحرفين جنسياً والبيدوفيليين، بالتلويح بتسجيلاتٍ لهم. البداية مع المراهق كيني الذي يدخل في سلسلة من التوصيلات مع "ضحايا" آخرين للعدالة الإلكترونية، وهم في حالة من الرعب والاستسلام. لكن قضاة الافتراض كشفوهم أمام أسرهم في النهاية. مع أننا، في البداية، تعاطفنا مع الشاب المرعوب، لكننا حين نعرف أنه ذو ميول بيدوفيلية، نجدهم غير قادرين على احتقاره وكراهيته كلياً، لأننا شهدنا وجهه البريء، وتعاطفنا مع رُعبه، وكذلك فعلنا مع فيكتوريا.
لا تصدّقوا المظاهر في الواقع ولا تشعروا بالأمان وأنتم في الافتراض. اركضوا، اركضوا بعيداً عن التكنولوجيا، فيدها طويلة، تستطيع أن تكون الشرطيّ والقاضي والنيابة العامة وشرطة الأخلاق والسجن. اركضوا وأنتم مذنبون، اركضوا وأنتم أسوياء وأبرياء ...
مات آش، فوجدت مارثا من يخترع لها نسخةً بديلة عنه. في البداية، اكتفت النسخة بأن تكون صوتاً ووعياً استنسخ صور حبيبها ورسائله، ليتحدّث ويفكّر مثله. ثم أنتجت الشركة إنساناً آلياً ليكون بديلاً مادياً عنه. لكن هناك شيئاً ناقصاً، شيئاً بشرياً أفسد على مارثا حياتها مع البديل. مع ذلك، لم تخرجه من حياتها بل تركته في البيت، مثل قطعة أثاث. ليكون أباً بديلاً لابنتها، على الأقل. ما تريد الحلقة أن تقوله إن التكنولوجيا لا تُصلح القلوب المفطورة، لكن البشر أيضاً لا يفعلون.
تقع لايسي ضحية تطبيق الواقع قوانين السّوشال ميديا، مع اعتماد تقنية اللايك أو الجيم، من أجل تقييم الأشخاص لبعضهم. فيضطرّون للتصرّف على غير سجيّتهم، حفاظاً على تنقيطهم في سلم خمس نجوم، مثل ما يحدث في TripAdvisor، وإلا حُرموا من حقوق أساسية، إذا كانوا أقلّ من ثلاثة نجوم. أو من مزايا حصرية للمؤثرين، إذا كانوا أقلّ من أربعة. تحاول لايسى رفع تنقيطها لتتمكّن من استئجار شقّة في حي حصري لفئة الخمس نجوم، أو ما يقاربها. لكن السّعي المحموم نحو ذلك يتسبّب في نبذها من الجميع.
يُفترض أن تكون المرآة السوداء تحذيراً من خطر التكنولوجيا على الإنسان، بينما الحقيقة أن الإنسان هو الكائن الخطير الوحيد. بغض النظر عن أنّه من اخترعها، فإنه هو من يسيء استعمالها ضد الآخرين، ويستغلّهم ويسيطر عليهم. والآخرون، هؤلاء الآخرون، لا ينفكّون يستسلمون، ويقعون وقعة مدوّية في شبكة غير خفية، وغير مجهولة العواقب.