مجلس النواب الليبي بين الاختلاف والاتفاق
عاد الحديث، أخيرا، عن توحيد مجلس النواب الليبي بشقيه، طبرق وطرابلس، بعدما أخذَ فيه الاختلاف، طوال سنوات، مأخذه، فلم يكن الاختلاف القانوني، في بداياته، يجعل له طريقاً نحو الاتفاق، كما لم يستطع الاتفاق السياسي، الموقع في الصخيرات في ديسمبر/ كانون الأول 2015، ويعدّ المجلس جزءا منه، وأحد مكوناته لحل الأزمة، وإيجاد الشرعية في البلاد لحكومة الوفاق الوطني، لم يستطع أن يكون طريقا في جمع أعضاء المجلس واتفاقهم والتصديق على الاتفاق، بل ولم تكن الحرب التي مُنيت بها البلاد تدفعهم إلى ذلك. أخيرا، وبعد جولات حوار في تونس برعاية البعثة الأممية للدعم في ليبيا، تظهر دعوة إلى التئام البرلمان ليكون هو السلطة التشريعة "الوحيدة" في البلاد، بعدما تبيّنت لأعضائه بوادر سحبها منه في اجتماع تونس، وسلب بعضٍ من اختصاصاته، ومنحها لملتقى الحوار الليبي المنعقد في تونس. وربما هذا التحوّل هو الأهم الذي جعل أعضاء البرلمان يذهبون إلى خطوة الاتفاق وتوحيد البرلمان، فكانت أولى الخطوات في الاجتماع التشاوري في طنجة، ليكون الاتفاق على عقد جلسة التئام للمجلس في مدينة غدامس (في ليبيا)، لإقرار كل ما من شأنه إنهاء الانقسام في المجلس، وبما يُمكّنه من أداء استحقاقاته على أكمل وجه، وإنهاء حالة الصراع والانقسام في كل المؤسسات، والحفاظ على وحدة الدولة وكيانها وسيادتها على كامل أراضيها، بحسب البيان الصادر عنهم.
برلمان لم يجتمع ويتفق أعضاؤه، منذ سنوات، لا يمكن أن تكون نتائجه مقبولة ومرضية لجميع الأطراف الليبية
وإذ يعتبر هذا التوجه، في حد ذاته، جيداً، إلا أنه لن يكون ذا فائدة واقعية على الأزمة الليبية، إذا كان من باب المناكفات السياسية والمصلحية فحسب، باعتبار أن هذا التوجّه جاء متأخّرا جداً. ولكن لنخطو خطوة إلى الإمام، ونعتبر أن هذا المسار يصبّ في مصلحة ليبيا وحلّ أزمتها، والذي لن يكون ذا جدوى ما لم يتحقق فيه:
أولاً: على البرلمانيين عدم التأخير في عقد جلسة كاملة النصاب داخل البلاد، وإن كان هذا ما اتفق عليه في طنجة، ليكون واقعاً في غدامس، إلا أن التأخير في هذا المسار سيجعل من اللقاء التشاوري في طنجة هو والعدم سواء، خصوصا أن الحوارات الليبية متسارعة بتدخلات خارجية وإقليمية، تغذّيها المصالح والنفوذ.
ثانياً: البرلمانيون الذين كانوا يسيرون مجلس النواب في مرحلة الاختلاف والتأزم ليسوا قادرين على قيادته في مرحلة الاتفاق، الأمر الذي يتطلب من أعضائه، إن كانوا صادقين في إصلاحه، استبدال الآليات والشخوص بآخرين صالحين لقيادة هذه المرحلة.
ثالثاً: من الضروري التقيد بتواريخ محدّدة في أداء الاستحاقاقات المطلوبة من مجلس النواب، وإشهارها لكل الليبيين، بوضع خريطة طريق واضحة المعالم تنتهي بانتخاباتٍ برلمانيةٍ، لا تتعدّى ما اتفق عليه المجتمعون في ملتقى الحوار الليبي في تونس، 24 ديسمبر/ كانون الأول من العام المقبل.
رابعاً: الانفتاح على كل مقترح توافقي يحلّ الأزمة الليبية، وعدم تعطيل الاستحقاقات الدستورية، كما كان ديدنه، بل العمل على الإيفاء بالالتزامات الدستورية، حتى يحقق التوافق وحل الأزمة من جهة، ولا يمهد للقفز عليه في حال تعذّر ذلك من جهة أخرى.
الأزمة الليبية تمرّ في منعطفاتٍ كبيرة، تتجاذبها الحلول السياسية أكثر منها العسكرية، حيث تمرّ بلحظة فارقة لم تتأت لها ربما منذ اتفاق الصخيرات
عموما، يعد اتفاق البرلمان الليبي والتئاؤمه جزءا من الحل، وليس هو الحل في حد ذاته، باعتبار أن هذه المرحلة من عمر الأزمة الليبية محفوفة بمصاعب جمّة، لا يمكن لبرلمانٍ كان جزءاً من الأزمة أن يكون وحده قادراً على حلها، وباعتبار أن التوافق عليه من جميع المكونات السياسية والنخبوية، وحتى الاجتماعية، حتى في حال التئامه، لن يكون واقعياً في هذه الظروف، وفي هذه الأوقات من عمر الأزمة. كما أن الخطوات التي يمكن أن يتّخذها لن تكون مثمرةً بالقدر الكافي في حلحلة الأزمة بكل تعقيداتها، مع وجود سلطات موازية وفاعلة على الأرض، لم تستمد شرعيتها منه.
وفي المقابل، أيضاً، لن يكون من الحصافة بمكان انتظار هذا البرلمان مدة أكثر لإيجاد حل للأزمة. وبمعنى آخر، يمكن القول إن برلمانا لم يجتمع ويتفق أعضاؤه، منذ سنوات طويلة من عمره، لا يمكن أن تكون نتائجه مقبولة ومرضية لجميع الأطراف الليبية. وبالتالي، المسارات الأخرى واردة وبقوة، إن لم نقل إنها أكثر واقعية وفاعلية، إن عاد البرلمان المختلف إلى اختلافه، وعدم إصلاح نفسه، وتجديد قيادته، وتحقيق الاستحقاقات المتراكمة عليه، وإلا سيكون هو والعدم سواء.
ومن المتفق عليه، في هذه الأيام، أن الأزمة الليبية تمرّ في منعطفاتٍ كبيرة، تتجاذبها الحلول السياسية أكثر منها العسكرية، حيث تمرّ بلحظة فارقة لم تتأت لها ربما منذ اتفاق الصخيرات، حيث إن خيار الحل السياسي يحظى باهتمام كثير، دولياً وإقليمياً. وبالتالي، الدفع بكل الأجسام السياسية في البلاد نحو التوافق وإيجاد مخرج للأزمة هو الخيار الأمثل، والابتعاد قدر الإمكان عن الصراعات السياسية في الاستحواذ على السلطة والدولة، والتي تخرج عن طور المنافسة السياسية السليمة وآلياتها، لتتعدّاها، وتكون على حساب الشعب وأمنه، ومقومات حياته التي ثار من أجلها ليتخلص من الفساد والاستبداد.