ما زالت الفرصُ متاحة
نعم... ما زالت الفرص متاحةً لمساندة غزّة وأهلها، وستبقى دائما متاحة لمن يريدها أو يبحث عنها فعلا.
حتى بعد مرور أربعة أشهر ونصف الشهر على "طوفان الأقصى" وما تلاها من تبعات قاسية على الناس جميعا، رغم الوزن المعياري الكبير للحدث في عمقيه، الاستراتيجي والتاريخي، ما زال هناك وقتٌ للتدخّل ومساندة غزّة وأهلها.
لم يفُت الوقت بعد، ورغم ارتفاع أعداد الشهداء والمصابين والمفقودين والنازحين والمهجّرين والمعتقلين في غزّة يوما بعد يوم، بقيت غزّة وستبقى دائما، بإذن الله تعالى، ثم بصمود أهلها. بقيت كقطاع وكمعنى وكفكرة أيضا... وبقيت كمقاومة لم يستطع العدوان، بجبروته وقسوته غير المسبوقة، ومساندة الدول الكبرى له بكل شيء، أن ينهيها كما كان يحلم وينوي ويبشر بذلك في الأسبوع الأولى من العدوان. في البداية، اعتبروا أن الأمر سيكون مجرّد نزهة قصيرة تنتهي بتدمير الأنفاق وتشريد أهالي غزّة وتهجيرهم إلى خارجها بعد القضاء على المقاومة بكل عناوينها. لكن هذا لم يحدُث. وكل ما عملوه أنهم صوّبوا أسلحتهم إلى الأطفال والمدنيين والمستشفيات والمساجد والمباني المدنية وغيرها... أصبحت هذه هي أهدافهم التي "انتصروا" في الوصول إليها فقط، والآن، ورغم كل ما أحدثته آلتهم العسكرية الغاشمة من تدميرٍ لكل البنية التحتية في غزّة تقريباً، وخصوصاً في محافظات الشمال والوسط، اتّجهوا إلى خيارهم الذي استبعدوه في البداية، وجعلوا منه في دعايتهم الإعلامية منطقةً آمنة، حاولوا تهجير الناس إليها، وهو محافظة رفح، ما ساهم في فضحهم كالعادة أمام العالم كله.
ولأن غزّة ما زالت، رغم جراحها المثخنة، صامدة بما تملك من إرادة وقوة وعزيمة وصبر وإيمان، كان لا بد لنا من التذكير دائما بأهمية التدخّل لوقف العدوان، بعدما أدّت غزّة دورها، وما يفيض عنها ليس دفاعاً عن نفسها وحسب، بل أيضا دفاعاً عن فلسطين وعن الأمة كلها. ودفاعاً عن الفكرة الإنسانية في أسمى معانيها.
كثيرون الآن يشعرون باليأس الحقيقي، وأنهم ينفخون في قربةٍ مثقوبة، وأن الأمر يزداد سوءاً بمضي الوقت، وأن الوضع محسومٌ لمصلحة العدوان الإسرائيلي، وأن جثامين الشهداء التي كانت في الأسابيع الأولى تجد من يحصيها ويصلي عليها أصبحت تترك في العراء أحيانا، وأن على الجميع التسليم بهذا الأمر، وأن من مصلحة غزّة وأهلها بل وفلسطين كلها أن تذعن المقاومة أخيرا لما يُراد لها، وأن تخرج من غزّة لتعطي أهلها فرصة جديدة للبقاء على قيد الحياة على الأقل. وبالتأكيد، لا أحد له الحقّ في التحدّث نيابة عن أهل غزّة، وليس لنا سوى دعم خياراتهم التي نواكبها عبر كل ما نراه من صمود وصبر وتحمّل وتصدٍّ للعدوان تحت أقسى الظروف التي مرّوا بها.
ليس هذا جديداً لا على غزّة ولا على بقية المدن الفلسطينية، ولولا صمودهم وصبرهم وتحمّلهم وتصدّيهم لما بقيت القضية مشتعلة نحو ثمانية عقود، ولما سمع العالم بقصة فلسطين أصلاً، ولما استطاعت السردية الفلسطينية الانتشار في ظلّ سيطرة الصهاينة على معظم وسائل الإعلام والثقافة والفن في العالم كله. تكفي على سبيل المثال أفلام "هوليوود" التي عبّرت دائما عن قصة احتلال فلسطين من وجهة نظر صهيونية خالصة، أما وقد أصبحت للناس، بعيدا عن المؤسّسات، وسائلهم الحرّة في التعبير والكشف، فقد رأينا التحوّل الجذري الكبير في الموقف تجاه هذه القضية منذ بداية الأحداث على الأقل لدى كثيرين من النجوم والفنانين العالميين. وهذا مجرّد مثالٍ على ما نودّ توكيده: ما زالت الفرص متاحة، وسيبقى الأفق دائماً مفتوحاً أمام من يريد التضامن مع غزّة فعلاً.