ما الذي فعلته بنا يا إيلون؟

06 يوليو 2023
+ الخط -

... وما الذي فعلته بمنصّتنا المفضلة، التي بالكاد أصبحنا نعرفها لكثرة ما تغيّر فيها، وبطائرنا الأزرق الذي يبدو مغلوبا على أمره مثلنا، بعدما حاولت تغيير لونه أحيانا وإبعاده أحيانا عن المنصّة كلها ووضع صورة كلبك المفضل بدلا من صورته؟

منذ أن استحوذ الملياردير الغريب الأطوار إيلون ماسك على منصة تويتر في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي 2022، والمنصّة تتغير باستمرار إلى الدرجة التي لم يعد كثيرون قادرين على ملاحقة ما يحدث فيها.

مياه كثيرة قد جرت في قلب المنصّة نفسها على صعيد هيئتها التشغيلية وعدد الموظّفين فيها، بعدما تخلى ماسك عن 50% منهم، وغير ذلك من أمور إدارية لا تعنينا نحن المستخدمين لها كثيرا، إلا أن ما يعنينا هو أننا صرنا، شئنا أم أبينا، مجرّد موظفين إضافيين في جيش ماسك العظيم. إذ أصبح يتلاعب بنا وبمشاعرنا وبمستقبل طائرنا الصغير كيفما يشاء، فيزيد الأحرف التي يمكننا كتابتها في تغريدات "تويتر"، ما أفقدها خاصيتها الأولى باعتبارها منصّة التدوين القصير، ثم يلغي علامات التوثيق الزرقاء والتي حصل بعضُنا عليها منذ سنوات طويلة مجّانا، باعتبار أن حساباتنا موثوق بها، وأننا أشخاص معروفون على الأقل بالنسبة للمنصّة نفسها. وبعدما أتاح فرصة التوثيق لمن يدفع له المال فقط، أدخل المنصّة في دوّامة من الفوضى، حيث أصبح بإمكان من يشاء توثيق أي حسابٍ يريده بالاسم الذي يريده ما دام قادرا على الدفع شهريا أو سنويا. وهو ما جعل كثيرين يوثقون حسابات بأسماء آخرين، وهذا بالتأكيد أفقد خاصية التوثيق ميزتها الأساسية، وهي التوثق من صاحب الحساب!

قاومت فكرة الدفع من أجل التوثيق أياما قليلة، بعدما صادر ماسك علامتي القديمة، لكن مقاومتي لم تستمر طويلا عندما اكتشفت أن هناك حسابات موجودة فعلا تحمل اسمي نفسه، وهو ما سيعرّضني لفوضى إضافية وجدت أنني في غنى عنها مقابل دولارات شهرية قليلة. وهكذا استعدت العلامة، وحصلت معها على مميزاتٍ أخرى، منها على سبيل المثال إمكانية نشر مقاطع فيديو لمدة أطول بكثير من تلك التي كانت متاحة في السابق، أو كتابة مقالات كاملة بدلا من التغريدات، كما أن الإعلانات التجارية أصبحت أقلّ ظهورا بكثير من ذي قبل.. وفي طور إحصاء مزيد من المميزات التي حصلت عليها مقابل الدولارات التي أصبحت ملزمةً بدفعها شهريا للسيد ماسك، لأقنع نفسي أن تراجعي عن المقاومة كان قرارا حصيفا، وجد ماسك الذي لا يكفّ عن التفكير بهذه المنصّة كما يبدو وسيلة جديدة لإجبار بقية المقاومين على التراجع، فقد أعلن فجأة عن سياسة جديدة تعتمد على التمييز بين المغرّدين، وفقا لما دفعوه من أموال أولاً، ثم لتاريخ انضمامهم للمنصّة ثانيا، ويبقى في ذيل قائمته أولئك الجدد الرافضين للدفع، والذين يتحتم عليهم ألا يزيد عدد ما يقرأونه من التغريدات يوميا عن 300 فقط!

ورغم أن ماسك أعلن، في تغريدةٍ، أنه فعل ذلك لتخفيف الانغماس في عالم وسائل التواصل الاجتماعي والعودة إلى الحياة الواقعية كما يراها، إلا أن ذلك يناقض تغريدةً أخرى له كان قد كتب فيها: "لكي نكون أكثر وضوحًا، فإن تويتر بالتأكيد ليس بصحّة جيدة من الناحية المالية حتى الآن، ولكنه يتجه ليكون كذلك، لا يزال هناك كثير من العمل للوصول إلى هناك". وهذا يعني أن الصحة بالنسبة له تعني مزيدا من المال له والخسارة لنا، ومع هذا سنبقى، كما يبدو، أسرى، ويا للمفارقة، تويتر الذي منحنا دائما المزيد من الحرية!

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.