ما أنهى حرب لبنان 2006 قد يساعد في إنهاء الحرب الحالية

12 أكتوبر 2024

دخان يتصاعد بعد قصف إسرائيلي على قرية الخيام جنوبي لبنان (7/10/2024 فرانس برس)

+ الخط -

استمع إلى المقال:

يُؤتى في إسرائيل والولايات المتحدة على ذكر مآلات الحرب والإشارة "لبنان جديد" ينحسر فيه نفوذ لحزب الله أو يغيب. كما نسمع على لسان رئيس حكومة دولة الاحتلال، نتنياهو، كلاماً عن "إعادة تشكيل" الشرق الأوسط. وفي مقال له في ذي إيكونوميست" البريطانية يوم الخميس (10 أكتوبر/ تشرين الأول)، يكتب زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير ليبيد عن ضرورة إعادة بناء لبنان وجيشه باشراف دولي. وفي المجلة نفسها، نقرأ مقالاً للأكاديمي والسياسي والوزير اللبناني السابق، طارق متري، الذي أسهم في 2006 وباسم الحكومة اللبنانية في الوصول إلى قرار مجلس الأمن 1701 وصياغته.

وكانت المجلة دعت متري لإبداء وجهة نظره، حرصاً منها على نوع من التوازن بين المواقف.

.....

أصبح لبنان مرّة أخرى ساحة للقتل عند إسرائيل، فقد ألحقت الغارات الجوية، والتوغل البرّي، أذى كبيراً بالمدنيين اللبنانيين. لذا، فإن النظر إلى الهدف المعلن لإسرائيل، تدمير حزب الله بالكامل، بوصفه وسيلة نحو السلام، أمرٌ مضلّل، وهو يصوّر حزب الله من منظور ضيّق للغاية. بدلاً من ذلك، هناك أمل، بشرط توفّر ضغط أميركي، في التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم يعتمد على الخطة التي أنهت الحرب مع إسرائيل في عام 2006، وتجسّدت في قرار مجلس الأمن رقم 1701.

تفيد تقديرات حكومية بأن الصراع الحالي أدّى إلى نزوح 1.2 مليون لبناني، وهو ما يقترب من ربع السكان. ومع استهداف الغارات الإسرائيلية الجوية الزعماء العسكريين والسياسيين لحزب الله، قُتِل أكثر من ألفي شخص وجُرِح عشرة آلاف. ولم يسبق في أي حربٍ عرفها لبنان أن قُتل في عملياتها العسكرية هذا العدد الكبير من عمّال الإنقاذ ورجال الإطفاء والمسعفين. وفي جنوب لبنان، جرى تهجير السكّان في عدة قرى، وسُوّيت بعضها بالأرض. وكما حدث في غزّة، أثبت الجيش الإسرائيلي عدم اكتراثه بالقانون الإنساني الدولي، خاصة ما يتصل بمبدأي التناسب والتمييز بين المقاتلين والمدنيين.

الهزيمة الكاملة لحزب الله، مثل الانتصار الكامل على حركة حماس، سوف يبقيان بعيدي المنال

ولكن، ماذا بقي في هذه المرحلة من حزب الله وقدراته؟ لعلّ قياداته مشوّشة وهي تواجه مشكلاتٍ مرهقة في التواصل والتنسيق، ولكن حزب الله ليس مجرّد منظمة عسكرية. وهو لن يختفي في كل الأحوال، فمن الخطأ الجسيم أن تصوّره إسرائيل، وكذلك أعداء حزب الله الآخرين، مجرّد جزء من شبكة تابعة لإيران. لأنه، بالإضافة إلى بنيته العسكرية، حزبٌ لبناني قوي يتمتّع بتمثيل سياسي واسع، وهو يدير مجموعة من الأنشطة المدنية والاجتماعية وشبكة ضخمة من المؤسّسات التعليمية والصحية، ولا يمكن إنكار شعبيّته الكبيرة ليس فقط بين المسلمين الشيعة في البلاد، بل بين عموم اللبنانيين. ولذلك، لا يعتقد لبنانيون كثر أن هزيمة حزب الله تشكّل بالضرورة مكسباً لهم. ومن الواضح أن لبنانيين عديدين، ربما كانوا أغلبية، يشكّكون في قرار الحزب المجازفة بجرّ لبنان إلى حرب شاملة، وهم حالياً يلومونه في إثارة غضب إسرائيل. ومع ذلك، لا يرى أغلب اللبنانيين في الإسرائيليين محرّرين لهم.

لا يعتقد لبنانيون كثر أن هزيمة حزب الله تشكّل بالضرورة مكسباً لهم

العودة إلى التاريخ مهمّة، فقد سبَّب الغزو الإسرائيلي في العام 1982 الذي سعى إلى إبعاد المقاتلين الفلسطينيين اندلاعَ الحرب واحتلال جنوب البلاد 18 عاماً، وإنشاء منطقة عازلة في منطقة الحدود، وكان هذا الاحتلال بمثابة البوتقة التي تشكّل فيها حزب الله، إذ قاتل المسلحون من المدن والقرى الجنوبية بلا هوادة، وحقّقوا الانسحاب الإسرائيلي الكامل في عام 2000.

ولا تقلّ الحرب الدائرة حالياً أهميةً عما حدث في حرب 2006. كان غرض إسرائيل آنذاك، كما الحال الآن، إضعاف قدرات حزب الله، ولكن الدمار كان شديداً. ساعدت المقاومة الباسلة والجهود الدبلوماسية اللبنانية والاستياء المتأخر من أميركا في منع مزيد من الدمار. حينها، صدر القرار 1701 الذي أنهى الحرب رسمياً، فدعا إلى وقف الأعمال العدائية والانسحاب الإسرائيلي؛ واحترام "الخط الأزرق"، وهو حدودٌ مؤقتة؛ ونشر قوات الأمم المتحدة، إلى جانب القوات المسلحة اللبنانية، جنوب نهر الليطاني، على بعد حوالي 30 كيلومتراً شمال الحدود.

كان القرار 1701 محترماً بنسبة عالية طيلة 17 عاماً، ورغم أن حزب الله لم ينسحب من المنطقة الواقعة جنوب الليطاني، لم يكن وجوده ظاهراً، ولم يحدُث أي انتهاك جدّي لوقف الأعمال العدائية. ولكن هذا تغير في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي. وأعتقد أن تنفيذ جميع الأطراف القرار 1701 يشكل اليوم شرطاً ضرورياً، وإن لم يكن ربما كافياً، لوقف إطلاق النار الدائم.

حتى لو لم يؤيد لبنانيون عديدون حزب الله ونشاطه العسكري ضد إسرائيل، فإنهم يجمعون في استيائهم إزاء العقاب الجماعي المفروض عليهم

لا ينفصل السلام في جنوب لبنان عن استعادة لبنان سيادته على أراضيه، وسوف يتطلب ذلك إنشاء منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني، خالية من أي مسلحين أو معدّات أو أسلحة غير التي التي تخصّ الحكومة اللبنانية. ولا بد من تعزيز قوة الأمم المتحدة (يونيفيل) وتأكيد سلطتها على "اتخاذ كل الإجراءات اللازمة" حيثما يجري نشرها. ومن الأهمية بمكان أن يؤدّي الجيش الوطني دوراً أكبر في بسط سلطة الحكومة اللبنانية، وسوف يتطلب هذا دعماً دولياً كبيراً للقوات المسلحة اللبنانية، بما يتجاوز المساعدات الأميركية المحدودة، والتي غالباً ما تكون عُرضة للسياسة الداخلية الأميركية والرغبات الإسرائيلية.

من المحتمل أن تخضع الأهداف العسكرية الإسرائيلية المعلنة للمراجعة في الميدان، كما حدث في غزّة، ما يُنذر بحرب إبادة مطلقة. ولكن الهزيمة الكاملة لحزب الله، مثل الانتصار الكامل على حركة حماس، سوف يبقيان بعيدي المنال؛ ففي الوقت الحالي، لا توجد أهداف سياسية واضحة في الأفق، وحتى لو لم يؤيد لبنانيون عديدون حزب الله ونشاطه العسكري ضد إسرائيل، فإنهم يجمعون في استيائهم إزاء العقاب الجماعي المفروض عليهم، وهم متّحدون في دعوتهم إلى إنهاء هذه الحرب.

يذكّرنا الوهم الإسرائيلي ببناء لبنان جديد وإعادة تشكيل الشرق الأوسط، والذي تجسّد في تصريحات عديدة لمسؤولين ومعارضين، بتجارب ماضية تثير الذكريات، نستحضر فيها الخداع الذي أصبح واضحاً بعد الحرب على العراق في عام 2003، والحديث في أثناء حرب عام 2006 في لبنان عن "مخاض ولادة الشرق الأوسط الجديد". ولكننا، منذ ذلك الوقت، لم نشهد سوى مزيد من العنف، ومزيدٍ من الخراب، ومزيدٍ من الفوضى. لقد حان الوقت للدبلوماسية ووقف إطلاق النار، ولضمان التنفيذ الصارم لقرار مجلس الأمن المطروح بالفعل على الطاولة، وذلك لن يكون لصالح لبنان وحده.

أكاديمي ووزير لبناني سابق.
طارق متري
أكاديمي ووزير لبناني سابق.