ماذا بعد زيارة بايدن المنطقة؟

21 يوليو 2022

بايدن مغادرا مطار الملك عبد العزيز في جدة (16/7/2022/فرانس برس)

+ الخط -

لم تحمل زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، المنطقة جديداً. ولم تخرج عن المحاور العريضة للسياسة الأميركية، التي تتصدّرها حماية أمن إسرائيل، وضمان تفوقها العسكري والجيوسياسي، والتغطية على جرائمها العنصرية بحق الشعب الفلسطيني. لكن اللافت أن هذه السياسة ستصبح، بعد الزيارة، ضمن تحالف إقليمي ''سُني''، تقوده الولايات المتحدة وإسرائيل، لمجابهة التمدد الإيراني. ولم يكن مستغرباً أن تكون إسرائيل أول محطة في الزيارة، باعتبارها حجر الزاوية في التحالف الجديد الذي يتأسّس على إدماجها في المنطقة، بالتوازي مع تصفية ممنهجة للقضية الفلسطينية. ولم يكن مستغرباً، أيضاً، أن يكون إعلان هذا التحالف من القدس، ''العاصمة الأبدية لإسرائيل''، بما يعنيه ذلك من ضمان التفوّق العسكري الإسرائيلي النوعي، واستبعاد الثوابت الفلسطينية المعروفة، وفي مقدمتها القدس، من أي ترتيباتٍ قد يشهدها الإقليم ضمن مخرجات التحالف الجديد، بما في ذلك حل الدولتين الذي أضحى شبه مستحيل.

لا يكتسي ''إعلان القدس للشراكة الاستراتيجية'' بين الولايات المتحدة وإسرائيل دلالاته إلا في ضوء مخرجات ''قمة جدّة للأمن والتنمية''، فلم ترْقَ مخرجات الأخيرة إلى ما كان يتطلع إليه بعضهم، على الرغم مما تضمنته كلمات بعض القادة العرب المشاركين فيها من نبرة عدم ثقةٍ بالسياسة الأميركية. ويمكن القول إن النظام الرسمي العربي أخفق في دفع بايدن إلى تقديم عرض سياسي واضح، ولا سيما في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، هذا في وقت يخطو هذا النظام خطوات دالّة على درب التطبيع الكامل مع إسرائيل. ومن دون شك، بات استخلاص العائد السياسي لهذه الخطوات يتصدّر الأولويات الأميركية في الإقليم، وتحديداً ما يتعلق بحديث بايدن عن انضمام أعضاء جدد إلى التحالف الجديد.

وإذا كانت الإدارة الأميركية تدرك أن هناك رفضاً شعبياً لمخططها الذي يستهدف الإجهاز على الحقوق الفلسطينية، ورهن مستقبل شعوب المنطقة للأجندة الإسرائيلية، وحماية تحالف الاستبداد والفساد، إلا أنها تدرك، كذلك، أن هناك حالة استسلام غير مسبوقة في المنطقة بعد أن نجح الاستبداد الجديد في إحكام قبضته على السلطة والثروة، بدعمٍ من الغرب والقوى المحافظة في المنطقة. ومن هنا، تمثل اللحظة الراهنة، بالنسبة إلى هذه الإدارة، فرصةً لإعادة صياغة خرائط القوة والنفوذ، من خلال إعطاء زخم جديد للاتفاقيات الإبراهيمية، وتضييق الخناق على إيران، وضمان تدفق النفط والغاز بكمياتٍ كافيةٍ بسبب العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على روسيا.

لا يبدو أن بايدن تعنيه الالتزامات الأخلاقية والحقوقية التي أعلنها عشية انتخابه، وفي مقدمتها أوضاع الديمقراطية وحقوق الإنسان في دول المنطقة، بقدر ما تعنيه التحدّيات الاقتصادية والجيوسياسية الناجمة عن النفوذ الروسي والصيني المتنامي، الذي يصبّ، بقدرٍ أو بآخر، في مصلحة إيران التي تتطلع إلى تحالف استراتيجي مع روسيا والصين. وتُمثل العربية السعودية، والإمارات بدرجة أقل، مربط الفرس في هذه التحديات، فرغم تعهد ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، خلال قمة جدّة بزيادة إنتاج بلاده من النفط، إلا أن ذلك لا يبدو أنه يرقى إلى ما كان يتطلع إليه الرئيس الأميركي، ما قد يعني أن السعودية لا تريد قطع شعرة معاوية مع الروس، في ظل غياب بوادر الحسم في الحرب التي تدور رحاها في أوكرانيا. وقد يكون استعداد السعودية لفتح مجالها الجوي أمام الطيران الإسرائيلي، مع ما يعنيه ذلك من احتمالِ تطبيعٍ سعوديٍّ وشيكٍ مع إسرائيل، مقابلاً لعدم تقديمها تنازلاتٍ أكبر في ملف النفط.

إدارة بايدن أكثر اقتناعاً بأهمية الاستثمار في تناقضات المنطقة ومشكلاتها المتراكمة بما يخدم مصلحتها ومصالحَ حلفائها، ويوفر لها موارد جديدة لمواجهة النفوذين، الروسي والصيني، فالحرب الروسية الأوكرانية لن تضع أوزارها قريباً على ما يبدو، وهو ما يُنذر بمفاقمة مشكلة ارتفاع أسعار الطاقة وتزايد تأثيرها بالاقتصاد الأميركي.