30 أكتوبر 2024
مؤامرة تليق بهذا العهد
يحقّ لحكام العهد اللبناني الذي يختتم غداً الخميس، 31 أكتوبر/ تشرين الأول، عامه الثالث برئاسة ميشال عون، ألا يتعاطوا مع ما يحصل منذ أسبوعين في بلدهم إلا باعتباره مؤامرة. لقد فعل رموز ذلك الذي صار يُختصر في لبنان بمصطلح "العهد"، وكأن لا عهد قبله ولا بعده، مثلما يسمى حزب الله بـ"الحزب"، كل شيء طيلة سنوات، ليناموا مطمئنين إلى أنهم أنجزوا المهمة، وتخلصوا من أي احتمال لاستفاقة شعبية تحيل حساباتهم أوهاماً: لديهم جيش غير نظامي اسمه حزب الله، أقوى من جيشهم الوطني. لهم ظهيران دولي وإقليمي، روسيا وإيران، يؤمنان لهم الشرعية الخارجية في وجه الاعتراف المفقود من قبل "المجتمع الدولي". لهم إعلام وجيش إلكتروني يفهمان بالإيماء ويلتقطان الإشارة من إصبع حسن نصر الله (السعيد بأنه يخيف كثيرين فعلاً)، فيتكفلان بتحويلها إلى سياسة تحريرية ترشح دماً، تهدد بالقتل، وتلوح بالترهيب وتبتز بالفضيحة وتشيطن كل من يفكر بالخروج عن قانون تحالف الأقليات الذي أرساه اتفاق مار مخايل بين نصر الله وميشال عون ذات شتاء عام 2006. غرسوا عميقاً في مظلومية فئة مذهبية فحوّلوها طائفة تتعاطى مع نفسها ومع الآخر وكأنها مجرد "أقلية". روّضوا معارضي الثنائية الوليدة حتى وافق هؤلاء على جائزة ترضية تتمثل بنائب هنا ووزير هناك على شاكلة ما كان يحصل أيام الوصاية السورية حتى 2005. فرضوا خياراتهم الاقتصادية والسياسية والحربية الكبرى على البلد، ووجدوا رئيس حكومة ــ شبحاً، يُحصي الإهانات من حلفائه القدامى والجدُد، ويوافق على تحمل مسؤولية نتائج تلك الخيارات. دمّروا أي أثر باقٍ للنقابات وخفّضوا سقف الحريات حتى أصبح التغريد على وسائل التواصل الاجتماعي مضبطة اتهام بحق مرتكبه. ولكي يطمئنوا أكثر إلى أمان عهدهم، نبشوا في أدبيات يسارية كان يفترض أن تكون معادية لهم تحديداً، ليعثروا على كتابات كثيرة تخبرهم كيف أن المجتمع المدني هو صنيعة إمبريالية خطرها يضاهي مدافع أميركا وصواريخ إسرائيل، وضررها يوازي ضرر اللاجئين السوريين والفلسطينيين المسؤولين بالمناسبة عن الثورة الجارية بحسب تلفزيون الليمونة.
فعلوا ذلك كله لكن فاتهم الكثير. فاتهم أنّ مجموعة بشرية عددها يمكن أن يكون بمئات الآلاف، يمكن أن تتفق، في ما يشبه اللحظة التأسيسية، على وضع الأمراض الطائفية جانباً، وإن كان ذلك مؤقتاً، بعدما اكتشفت أن طوائفها لم تعد قادرة على إطعامها ولا توظيفها ولا تعليمها ولا إدخالها المستشفيات. أمام ذلك الاكتشاف، كان لا بد للعهد إياه أن ينبش في وصفات تحويل أي اتفاق شعبي عارم إلى اقتتال أهلي، عبر ثنائية الشارع والشارع المضاد، المواطن الشرير الذي يغلق الطرقات للضغط على السلطة، وفي مقابله "المواطنون الشرفاء" الذين يهيمون غراماً في وظائفهم، فيتحركون جماعياً لفتح الطرقات بالقوة وإعادة الأشرار والمخربين إلى منازلهم، أو إلى السجون. تخرج فئات عريضة من سجن طائفة ظل زعيمها يتفاخر عقوداً بأن أسوارها من فولاذ، فيشهر الأخير سلاح الإصبع تهديداً وتخويناً ومجاهرة بأن لديه معلومات، لا يعلن عن مضمونها طبعاً، تجزم، والجزم أرقى أفعال التأكيد، بأن سفارات ودولاً خارجية تحرّك الناس وتموّل حراكهم وأفكارهم واجتماعهم. لكن نصر الله يؤجل الإجابة عن السؤال الأبدي: لماذا يتصبب عرقاً بهذا الشكل في كل مرة يجتمع فيها طيف واسع من اللبنانيين على شعار واحد؟ حسناً، لأن المؤامرة كبيرة ومعروفة. هو يعرفها فلا داعي لأن يشرحها لناسه وشعبه، فهو السيد وهم المطيعون، أو هكذا يظنّ.
ثورة لبنان أو انتفاضته أو حراكه، لا تهم التسمية، صورة نقيضة بكل تفاصيلها لهيئة هذا العهد. عهد رفض رجله الأقوى جبران باسيل تعيين ناجحين في اختبارات مجلس الخدمة المدنية، حتى في وظائف حراس الأحراج، لأن عدد المسيحيين من بينهم لم يرقَ إلى عدد زملائهم من غير المسيحيين. عهد الفرز بين النفايات المسيحية والنفايات الإسلامية تليق به هذه الثورة التي لا يفهمها إلا مؤامرة. عهد تحالف الأقليات تليق به هذه الثورة التي لا يفهمها إلا مؤامرة. عهد الإفقار وعهد دولة حزب الله ومنع أغاني فيروز في كليات من الجامعة اللبنانية لأنها حرام، تليق به هذه المؤامرة.
ثورة لبنان أو انتفاضته أو حراكه، لا تهم التسمية، صورة نقيضة بكل تفاصيلها لهيئة هذا العهد. عهد رفض رجله الأقوى جبران باسيل تعيين ناجحين في اختبارات مجلس الخدمة المدنية، حتى في وظائف حراس الأحراج، لأن عدد المسيحيين من بينهم لم يرقَ إلى عدد زملائهم من غير المسيحيين. عهد الفرز بين النفايات المسيحية والنفايات الإسلامية تليق به هذه الثورة التي لا يفهمها إلا مؤامرة. عهد تحالف الأقليات تليق به هذه الثورة التي لا يفهمها إلا مؤامرة. عهد الإفقار وعهد دولة حزب الله ومنع أغاني فيروز في كليات من الجامعة اللبنانية لأنها حرام، تليق به هذه المؤامرة.