مأزقُ إسرائيل والغرب

02 نوفمبر 2023

مسيرة احتجاج داعم لفلسطين وضد العدوان الإسرائيلي على غزّة (28/10/2023/Getty)

+ الخط -

مع استمرار القصف الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزّة، تزداد الأسئلة بشأن حسمِ واحدة من أكثر جولات الصراع ضراوة خلال العقود الخمسة الأخيرة. وتجد دولة الاحتلال نفسَها أمام مأزق أخلاقي وجيوسياسي كبير، في ظل ارتفاع أعداد الشهداء والجرحى والمفقودين والنازحين، وصمود المقاومة الفلسطينية، وتزايد أعداد المتعاطفين مع فلسطين عبر العالم. فعلى الرغم من التقدّم البري المحدود الذي حققته القوات الإسرائيلية داخل القطاع، إلا أن اعتماد المقاومة على المباغتة والكرِّ والفرِّ يجعل هذا التقدّم محفوفاً بالمخاطر، ويُفاقم أكثر أزمة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الذي سيتحمّل، على ما يبدو، التبعات السياسية للهجوم الذي شنته المقاومة على العمق الإسرائيلي في 7 الشهر الماضي (أكتوبر/ تشرين الأول)، بعد أن أخفق في تقديم خطابٍ سياسيٍّ متسقٍ يقنع به الإسرائيليين الذين صدمهم ''طوفان الأقصى''، وفتح البابَ على مصراعيه أمام سيلٍ من الأسئلة التي باتت تؤرّقهم، ولا سيما تلك التي تتعلق بمستقبل الكيان أمام رفض الفلسطينيين التنازل عن حقوقهم المشروعة، وفي مقدّمتها تأسيسُ دولتهم المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس.

لا يبدو أن في مقدور إسرائيل تجاوز هذا المأزق والخروج منه بأقل الخسائر، بسبب بنيتها العنصرية والاستيطانية الصلبة. بدا ذلك واضحاً، أولاً، في رفضها الانصياع لدعوة الأمم المتحدة من أجل الوقف الفوري لإطلاق النار وفتح المعابر الحدودية أمام المساعدات الإنسانية. وثانياً في إصرارها على الاستمرار في ارتكاب المجازر الوحشية بحقّ المدنيين، جديدها، إلى غاية كتابة هذه السطور، مجزرة مخيم جباليا، التي أظهرت حجم التخبّط الاستخباري والعسكري داخل إسرائيل، إذا ما أخذنا بروايتها عن المجزرة حين ادّعت أنها كانت تستهدف قيادياً بارزاً في حركة حماس داخل المخيم.

إصرار قادة إسرائيل على اجتياح غزّة وضرب المنظومة السياسية والأمنية والعسكرية لحركة حماس، وتحريرِ الرهائن الذين أسرتهم المقاومة الفلسطينية، من دون الأخذ بالاعتبار التكاليف البشرية والاقتصادية والسياسية والأخلاقية، يكشف مخاوف اللاوعي السياسي الإسرائيلي في اشتباكه بأسئلة الذات والهوية والمستقبل. لقد أصاب ''طوفان الأقصى'' الكبرياءَ العسكرية والأمنية الإسرائيلية في مقتلٍ. وهو ما صار يشكّل عبئاً نفسياً ثقيلاً بالنسبة إلى الوحدات الإسرائيلية المتمترسة على طول الحدود مع قطاع غزّة. ومن هنا، يعكس انتقالَ قادة الاحتلال من الحديث عن ''القضاء على حركة حماس'' إلى الحديث عن ''تفكيك قدراتها العسكرية''، يعكس وعيهم بأنهم أمام معركة فاصلة قد تتغيّر معها قواعد الاشتباك إلى الأبد.

بالتوازي مع ذلك، يُواجه الدعم الإعلامي والسياسي الغربي الممنهج لإسرائيل مأزقاً آخر لا يقلّ عن المأزق الإسرائيلي، وبالأخص بعد التعديل النسبي الذي طرأ على الرأي العام الغربي من خلال تشكُّل قطاعٍ داخله، يؤيد الفلسطينيين، أو على الأقل أصبح ينظر إلى الصراع بشكلٍ متوازن، وهو قطاع لا ينبغي الاستهانة به إذا ما عرف الفلسطينيون كيف يستثمرون تعاطفه معهم في المستقبل. ولا شك أن رهان إسرائيل على الدعم السياسي والعسكري للدول الغربية الكبرى يُقرِّبها أكثر، حسب منظور مؤيدي الحقّ الفلسطيني في الغرب، من الباب المسدود، باعتبارها نظاماً عنصرياً وفاشياً غير مسبوق في تاريخ البشرية.

ويبقى ما أظهره أبناء غزّة من قدرة على الصمود في وجه الحصار والتجويع والتعطيش والقصف الوحشي وتدمير المستشفيات والمنشآت الحاضنةَ الأهليةَ والشعبيةَ للمقاومة في مواجهة العدوان الصهيوني الغاشم. ومن نافل القول أن أحد الأهداف الرئيسة لهذا العدوان، ضرب روحهم المعنوية ودفعهم إلى اليأس والإحباط، وبالتالي التمرّد على المقاومة والتشكيك في شرعيتها، بما يعنيه ذلك من تحميلها وزر المجازر الوحشية التي ألحقها بهم جيش الاحتلال، اتّساقاً مع السردية الإسرائيلية المدعومة من الإعلام الغربي.

من المؤكّد أن ما قبل ''طوفان الأقصى'' ليس كما بعده. وبصرف النظر عمّا يمكن أن تؤول إليه هذه الجولة من الصراع، فقد حدث الذي كانت تخاف منه إسرائيل؛ فقدان هيبتها العسكرية وارتجاج هائل داخل المجتمع الإسرائيلي.