مآلات الانسداد السياسي في العراق

02 ابريل 2022
+ الخط -

دارت دوائر الاتصالات النيابية المتصارعة من أجل حكم العراق بين الوعود الإيجابية والتهديد المبطن، لكنها أثبتت أن الخنادق المعلنة وغير المعلنة بين التيار الصدري ممثلة بزعيمه مقتدى الصدر، وبعض قوى الإطار التنسيقي، وبالأخص نوري المالكي وقيس الخزعلي، أعمق وأقوى من مجرّد اتصال هاتفي أجراه الصدر مع المالكي، ظن الجميع حينها أنه سيطفئ جبل النار بينهما.

ما أثبتته المحاولات الثلاث الفاشلة لانتخاب رئيس الجمهورية أنها أعطت ملامح العملية السياسية في العراق، وأبرزت لامبالاة كل القوى السياسية المشتركة فيها تجاه إرادة الشعب العراقي؛ حتى وإن اشترك القليل منه في الانتخابات المبكّرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2021؛ ذاك أن حركة الأسواق ومعالجة الأزمات الطارئة وزيادة نسبة البطالة كلها أمور مؤجلة إلى حين ولادة الحكومة الجديدة، وهي، بهذه السلوكيات غير المسؤولة، وبخرق دستوري واضح، لا يظن أحدٌ من العراقيين ولادتها، بل يمزج مراقبون بين ما يمكن أن يفرزه الحراك داخل قبة البرلمان من اختيار للرئاستين المقبلتين: الجمهورية والوزراء، ودخول العراق في دوّامة الفوضى غير محمودة العواقب.

حركة الأسواق ومعالجة الأزمات الطارئة وزيادة نسبة البطالة كلها أمور مؤجلة إلى حين ولادة الحكومة الجديدة

نوري المالكي، الذي يدير دفّة الإطار التنسيقي، وبشعار طائفي واحد، يتعلق بأحقية شيعة العراق بإدارةٍ لا يمكن أن تكون، في أي حال، من اختيار مقتدى الصدر. ولهذا، حوّل المالكي قصره (أحد القصور الرئاسية للنظام السابق في المنطقة الخضراء)، إلى مقرّ لتحشيد قوى "الإطار" لغرض حجب مشاركتهم في عملية انتخاب رئيس الجمهورية، وهو ما نجح فيه بعدما فشل البرلمان بإكمال النصاب القانوني، أي حضور ثلثي أعضاء المجلس الجلسات الماضية.

وعلى غير العادة، لم تحدّد رئاسة مجلس النواب العرقي موعداً جديداً لتحديد الجلسة المقبلة لانتخاب الرئيس، بما يعزّز القناعات والتكهنات بأن لا ضوء في نهاية نفق التفاهمات بين الصدر والإطار التنسيقي، وأن الطرفين يراهنان على ما يمكن كسبه إلى صفهما من المستقلين، وهما صامدان في تجنب الانغماس في رهانات الطرفين، فيفقدان بذلك احترام الشعب الذي اختارهما بصفتهما المعلنة "مستقلين".

بعد جلسة الأربعاء، 30 مارس/ آذار، وخيبة الأمل الكبيرة لكل الأطراف، العراقية والإقليمية والدولية، فإن مؤشّرات حلحلة الوضع السياسي العراقي موضوع غير قابل للتطوّر، وقد يستمر أشهرا عديدة، فالصدر متمسّك بحكومة الأغلبية استحقاقا جاء عبر صناديق الانتخابات. والمالكي، كما هو الحال منذ عام 2006، يرى، بل يؤمن، بأن الحكومة يجب أن تكون توافقية، وأن يتولى المكون الشيعي في العراق الصلاحيات الكاملة لإدارتها، والسيطرة على كل مقدّراتها، وهو ما ارتضاه شركاء العملية السياسية بما ارتضوه أصلاً من مكاسب مادية في حالةٍ لا يمكن تشبيهها بأي نظام في العالم، وهذا كله خارج إرادة الشعب العراقي النابذ للمحاصصة والطائفية والفساد المستشري في بلده منذ 2003.

أكثر ما يخشاه العراقيون اختلاق خطر سيادي أو أمني كبير، بما يشكل حينها انتخاب رئيس للدولة ورئيس لمجلس الوزراء ضرورة ملحّة 

أكثر ما يخشاه العراقيون اختلاق خطر سيادي أو أمني كبير، كأعمال إرهابية تقتل عددا كبيرا منهم، وخصوصا في مناطق إقليم كردستان والموصل والأنبار وديالى، من جهة، ومناطق منتخبة من جنوب العراق، بما يشكل حينها انتخاب رئيس للدولة ورئيس لمجلس الوزراء ضرورة ملحّة لا يمكن تأجيلها. وهناك من يقول إن نوري المالكي يمكن أن يضبط إيقاع هذا الخيار، وأن مقتدى الصدر سيوافق على حكومة توافقية تنقذ الأمن الوطني العراقي في نهاية المطاف.

هذا السيناريو إن لم يجر التعامل به فعلياً، ومع استمرار الانسداد السياسي، يمكن أن تُحشد قوى الإطار التنسيقي من أجل أن يعرض ثلث أعضاء مجلس النواب حلّ المجلس، ثم تصويت المجلس على هذا المقترح الذي يكون نافذاً إذا ما صوّت بالنصف +1، ليكون المجلس منحلاً، وبالتالي يُصار إلى انتخابات مبكّرة جديدة.

كتب رئيس ائتلاف "دولة القانون"، نوري المالكي، بعد جلسة الأربعاء، والتي لم يحضرها كامل أعضاء الإطار التنسيقي، في تغريدةٍ، إنه يعد لمبادرة للخروج من الأزمة. ولكن تجربة العراقيين معه شخصياً، تجعل أغلب السياسيين في العراق يفترضون أن الرجل يعمل وفق خريطة طريق أعدت في دولة جارة، وينفذها بدقة متناهية، مع قادة في الإطار التنسيقي، لا يمكن أن يخطئهم المتابع للشأن العراقي.

F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن