ليس باسم الشعب اللبناني
ما الهدف من انتشال الطبقة الحاكمة في لبنان من المآزق التي تعمل جاهدة على إنتاجها، في حين أنّ إدارة الشأن العام تفترض أن تقوم على أولوية التصدّي للمشكلات التي تواجه الناس، وتصادر حقوقهم، وتطيح عيشهم، وأملاكهم، ومقدّراتهم، وثرواتهم الطبيعية؟ لماذا الإصرار على إسناد طبقة بات القاصي والداني يعرف فسادها، من أكبر عناصرها إلى أصغرهم، وأنّ هؤلاء العناصر، ناهيك عن تمتّعهم بالنفوذ، واستباحتهم السلطة والمواقع، وحيوات الناس، والمال، والممتلكات العامة، والدستور، والمماطلة في الاستحقاقات الدستورية، لم يعملوا إلّا لتكثيف آليات القضاء على المؤسّسات والمشاريع المنتجة كلّها، وعن مصادرة أموال المُودِعين من كلّ حدب وصوب، وعن التلكؤ في قوننة وتشريع آليات المُحاسَبة لاسترداد الأموال من زعامات هرّبوها من لبنان في الأيام التي سبقت وتلت الانتفاضة اللبنانية في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019؟
في هذا السياق، ورد خبرٌ أنّ الجزائر تنوي المساعدة في انتشال لبنان من مأزق العتمة الشاملة والظلام الدامس (أنتجتهما طبقته الحاكمة مع سابق إصرار وترصّد، وبالتعاضد والتكافل منذ سنوات)، بعدما قرّرت إرسال وقود على وجه السرعة لإعادة ما تيسّر من التيّار الكهربائي إلى المجالات اللبنانية الحيوية. فلماذا الإصرار على مساعدة لبنان، وتحمّل جزء من المسؤولية التي تقع على عاتق السلطات اللبنانية، وعلى عاتق اللبنانيين أنفسهم، في حين أنّ رئيس حكومته (ولو كان بحكم المستقيل)، وغيره من المسؤولين، هم مِنْ أثرى أثرياء العالم؟ هل ينقص لبنان الأموال والوقود، هل تنقصه فعلاً هبةٌ إضافيةٌ لانتشال مثل هؤلاء الذين يهيمنون على الدولة وعلى مقدراتها؟ هل يساعد هذا الأمر الشعب اللبناني فعلاً، وليس الطبقة الحاكمة، التي أوصلت البلد إلى حالة العفن والفساد والإفساد، ومن تشريعه أمام المجهول من كلّ حدب وصوب، وتركه عرضة لتحالفات المليشيات والمافيات الداخلية، أو إرادات ومصالح خارجية، في حين أنّ أكثرية الشعب لا تتأخّر قيد أنملة في إعادة إنتاج الطبقة التي أوصلتها إلى هذه الحالة، وعلى استعداد للقتال من أجلها، وهو ما تُظهره الانتخابات النيابية عند كلّ استحقاق؟ فهل هذه الأكثرية ضحيّة أم هي شريك؟
مساعدةُ دولٍ الشعبَ اللبناني لن تُؤدّي إلّا إلى تغذية طبقة تنهش الجسد اللبناني
هي ليست المرة الأولى التي تحاول فيها دولة عربية، مشكورة، المساعدة في انتشال اللبنانيين، بل هو سلوك يمتدّ عقوداً خلت، فكانت الدول في كلّ مرّة، سواء علمت بذلك أم لم تعلم، وسواء بقصد أو من دون قصد، تنتشل الطبقة الحاكمة وهي تحاول انتشال الشعب اللبناني، في حين أنّ الأغلبية باتت تعرف أنّ المؤسّسات اللبنانية، واللبنانيين من خلفها، لا يستفيدون قيد أنملة من هذه الهِبَات والمِنَح والمساعدات كلّها، بل تجد طريقها الآمنة إلى جيوب وحسابات المسؤولين، من دون أيّ عملية إصلاح تغيّر أو تؤثّر في حقيقة الواقع المنهار بشيء، ولا حتّى تضيء شمعةً في ظلامه الدامس.
لقد زعمت السلطات اللبنانية المُتعاقبة، منذ انتهاء الحرب الأهلية وصولاً إلى اليوم، أنّها صرفت مليارات الدولارات على معامل إنتاج كهرباء لا تصل إلى منازل اللبنانيين، فأوصلتهم لحالة فقدان الأمل، وألزمتهم العمل على تأمين الطاقة الشمسية البديلة. أليس من الأجدى، في حالة كهذه، أن تعمل بعض الدول المانحة في هذه الحراجة الكونية لاستثمار الأموال في خدمة شعوبها، وليس في خدمة المسؤولين اللبنانيين، الذين لا يعرفون أيّ شيء إلّا لغةَ المصادرة والمصلحة الخاصّة والرفاهية على حساب الشعب اللبناني؟
بات من الضروري اليوم أن تعرف بقية دول العالم أنّ الشعب اللبناني لا يستفيد من هذا كلّه، وأنّ فئةً وازنةً منه لا توافق على مثل هذه المِنَح والمساعدات، لأنّهم أخبر من غيرهم في معرفة أنّ أثرها يكاد لا يُذكر، ليس لشيء إلّا لأنّها لن تصل إلى الجهات والمؤسّسات التي يجب أن تصل إليها، ولن تُستخدَم في معالجة المشاكل التي أُرسلت من أجل معالجتها. فهل يعقل أن تعيش دولةٌ من الدول، في الألفية الثالثة، في هذه المساحة الصغيرة، لها مقدرات وثروات طبيعية وموقع جغرافي مميّز، وإمكانات سياحية هائلة، كتلك التي يمتلكها لبنان، بهذا الكمّ من المشاكل والانهيارات والظلام المستمرّ، وهي بحاجة إلى العيش على حالات الإنعاش والمساعدات والمنح؟ أو بكلام آخر، هل يعقل أن تعتاش دولةٌ على التسوّل وسحب الأموال من أمام شعوب هي أحقّ بها، لغاية واحدة هي أن تصل إلى مسؤولين يُكدّسونها في حساباتهم وحسابات زوجاتهم، وفي شركاتهم، وفي سيّارات أولادهم الفارهة؟
ختاماً، بات مطلوباً اليوم من الدول التي تريد مساعدة الشعب اللبناني الكفَّ عن مساعدة الدولة اللبنانية المنهارة، التي أحكمت طبقتها الحاكمة سيطرتها عليها، لأنّ كلّ ما يُرسل باسمها لن يساهم إلّا في الإمعان بالانهيار وتغذية من يعملون بكلّ جهدٍ وكدٍّ في تكريسه، لذلك المطلوب قطع مصادر الإنعاش كافّة عن دولة لا تريد إنعاش نفسها، وصولاً إلى أنّ كلّ محاولة لن تُؤدّي إلّا إلى تغذية طبقة تنهش هذا الجسد اللبناني، فتُجدّد عُمرَها لتستكمل نهشه ونثر قيحها في الاتجاهات كافّة.