ليز تراس: صلاحية "الخَسّة" والتصويت للمحافظين
"دامت الخَسّة أكثر من ليز تراس"... هذه ليست تغريدة، بل عنوان صحيفة نيويورك تايمز في متابعتها تنحّي ليز تراس عن منصبها رئيسة للوزراء في بريطانيا. ليس عنوانًا مبتكرًا بسخريته بالنسبة لمتابعي تعامل الصحافة البريطانية مع ليز تراس في الأسبوعين الأخيرين تحديدًا.
وضعت الصحيفة معطىً "موضوعيًا" لما كان يتداوله البريطانيون، انطلاقًا من عبارة وردت في مقال "The Economist"، تنبّأت فيه بأن ليز تراس ستدخل التاريخ من باب الولاية الأقصر في رئاسة الوزراء البريطانية، معتبرةً أن فترة الحكم الفعلية لتراس لن تتجاوز سبعة أيام، "إنها فترة الصلاحية المفترضة لخسّةٍ على رفّ متجرٍ للخضار".
تحوّلت العبارة إلى مادة للسخرية. سريعًا، أصبحت على لسان كل من لم يحبّذ وصول تراس إلى موقع القيادة، أو لم يستسِغ ما يراه بعضهم دعمًا تحظى به من أصحاب المال... ومنها انتزعت صحف "التابلويد" ومواقعه سؤالًا، شكّل مادة حيوية للنقل المباشر إلكترونيًا، فطرحته على الملأ: "هل ستتجاوز تراس صلاحية الخَسّة؟" ليتعاظمَ السؤال الساخر، ويصبح لائقًا لمرافقة حملةٍ تدعوها إلى التنحّي والاستقالة. .. أجابت ليز تراس الخميس الماضي عن هذا السؤال، واستقالت.
الانتشاء الذي سيطر في بريطانيا مع وداع الملكة إليزابيث، لجلوسها على العرش أطول فترة مقارنة بأسلافها، أفسدته تراس بتسجيلها رقمًا قياسيًا لأقصر فترة ولاية
كانت أصداء جملتها "أنا محاربة لا مستسلمة" التي سارعت إلى قذفها في وجه غريمها العمّالي في "ويستمنستر" لا تزال تتردّد في أنحاء "داونينغ ستريت"، حينما خرجت من مقرّ إقامتها الرسمية لتخبر البريطانيين والعالم أنها غير قادرة على الإيفاء بوعودها.
استسلمت تراس بعد 45 يومًا! الاحتفاء بطعم الانتشاء الذي سيطر في بريطانيا مع وداع الملكة إليزابيث الثانية، لجلوسها على العرش أطول فترة مقارنة بأسلافها، أفسدته تراس بتسجيلها رقمًا قياسيًا لأقصر فترة ولاية في هذا المنصب بريطانيًا.
صدقت نبوءة “The Economist” إذًا... لذا ليس مستغربًا أن تحضر النتيجة في عنوان يبدو خبريًا في صحيفة جادّة بلا ثقل الاعتذار من السخرية حدَّ التتفيه، بل يكاد ذلك يبدو بديهيًا!
"فازت الخسّة"، تغريدات لا تُحصى كرّرت العبارة هذه في سياق استكمال مظاهر السيرك الذي أقيم على شرف تراس... لكنها تخفي سؤالًا جادًا عن القيادة الجديدة التي يجب أن تأتي بخطّة اقتصادية على مستوى الأزمة. ولأن الفوضى سمة المرحلة، كما يبدو جليًا في السياسة البريطانية، يتردّد كثيرون في طرحه، فمن أين تتجلّى هذه القيادة الجديدة، وسط تخبّط أجنحة الحزب المحافظ فيما بينها؟ من الذي يملك الإجابة عن السؤال الصعب الذي كان يلوح قبل إتمام خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومباشرة بعده، وفاقمت من وطأته الأزمة الاقتصادية الناتجة من الحرب في أوكرانيا؟
ليس الجواب في حوزة أحد، حتى حزب العمّال لا يملك العصا السحرية بالضرورة لتقديم الحلول الاقتصادية السريعة والناجعة. هو أيضًا لا يجد مخرجًا من مأزق الإجابة هذا... لذا كان ردّه السريع بعد استقالة تراس بإعلاء الصوت وتكرار دعوته إلى انتخابات عامة مبكّرة، يحاول حزب المحافظين تفاديها بشتى الطرق.
حتى حزب العمّال لا يملك العصا السحرية بالضرورة لتقديم الحلول الاقتصادية السريعة والناجعة
لا شك أن حزب العمّال مدفوع إلى الانتخابات، لاعتقاده أنه قادر على الفوز بها لو جرت الآن. يتعزّز ذلك باستطلاعات للرأي على غرار ما نشره "Ipsos"، وتقول إن حظوظه عالية من ناحية نيل ثقة المستطلَعين بقدرته على إدارة الأزمة، والاستجابة لتحدّياتها متقدّماً على غيره من الأحزاب، تحديدًا الحزب المحافظ، للمرّة الأولى منذ 15 عامًا.
قد يتمكّن المحافظون من إبقاء السلطة في يدهم... هناك آراء تقول إنهم قد يتمكّنون من النجاة عامًا إضافيًا في السلطة، حتى الموعد الدوري المقبل للانتخابات، إذا اختاروا قيادة تشكّل حكومة محافظة جامعة، ممثلة لأطياف الحزب وتياراته الأساسية. قد يتمكّنون من الكثير، حتى من إعادة تعويم بوريس جونسون الذي سقط بأيديهم أولًا قبل أن يُبعده الاعتراض الشعبي.
لكن هل ينجو الاقتصاد البريطاني حتى الانتخابات في دورتها العادية؟ هل بإمكان الحزب المحافظ احتجاز كل البريطانيين اليوم رهينة لخيار حصيلة تصويت فقد صلاحيته هو أيضًا؟