لو يستفيد القادة من كأس العالم
مؤكّد أن الرياضة جزءٌ مهم من الحياة. وتتبيّن قوتها، مثلاً، في المتابعة الواسعة لكأس العالم في قطر والنجاح الذي حققته منتخبات عربية وأهمها المغرب. ويبقى السؤال: كيف يمكن للقادة السياسيين أن يستفيدوا من مجريات الرياضة، وخصوصاً المتعلقة بكأس العالم.
لقد أثبتت المنتخبات، السعودي والتونسي والمغربي، أنهم أنداد أقوياء لمنتخبات عالمية، وبذلك حطموا القول إن العرب ينجحون فقط في الرياضات الفردية، لا الجماعية. ولكن كيف يمكن أن نطبّق إذاً موضوع العمل الجماعي العربي؟ هل من الممكن، على سبيل المثال، أن نعمل بصورة جماعية على أمر واحد، ونقدّمه نتيجة لما يمكن أن ينجزه العرب بصورة جماعية؟ فلو توفرت الإرادة السياسية، أليس من الممكن أن نحسّن التجارة البينية بين الدول العربية؟ يحتاج الأمر للتخطيط السليم والواقعي، وثم التنفيذ.
لم يكن فوز قطر بفرصة استضافة هذا الحدث العالمي لولا القدرة على التخطيط والتنفيذ وقد جرى ذلك. لدينا لغة وثقافة واحدة وأثبت كأس العالم عروبة العرب ووحدتهم. ولكن لو نظرنا إلى نسبة التجارة البينية بين الدول العربية، لكان الأمر مخزيا. هل يُعقل أننا لا نتجاوز 10% من نسبة التجارة البينية؟ هل يعقل أن نشتري بضاعة عربية، بعد أن جرى تصديرها إلى أوروبا بدل أن نشتريها بصورة مباشرة من دولة عربية شقيقة؟ يحتاج تحسّن التجارة العربية إلى التخطيط والتنفيذ، وبدون شك الإرادة السياسية.
هل اقتنع العالم، ومنه زعماؤنا العرب، بأن التطبيع قبل التحرير عار علينا؟
وفي موضوع فلسطين حدّث ولا حرج. لقد أثبت المواطن العربي العادي تمسّكه بعروبة فلسطين، وقد شهدنا التعاطف العارم لفلسطين، فهل ستجري ترجمة ذلك الطوفان من التعاطف إلى قرارات حقيقية؟ لقد أكّد كثيرون أن فلسطين كانت المنتخب الـ 33 في مهرجان رياضي من 32 فريقاً، فهل اقتنع العالم، ومنه زعماؤنا العرب، بأن التطبيع قبل التحرير عار علينا؟
رغم الحديث عن الحاجة للتخطيط وللعمل الجماعي، والاستماع إلى رأي الشعوب، لا بد من الإشارة إلى أهمية الثقة بالنفس، والتي نحن بحاجة إليها. لم يكن العديد من المواطنين العرب يعرفون حارس المرمى المغربي ياسين بونو، ولكن أداءه البطولي في الفوز المدوّي على منتخبي إسبانيا والبرتغال، جعل من هذا الحارس اسماً معروفاً في كل بيت عربي... منذ الدقيقة الأولى للمباراة مع إسبانيا إلى تصدّيه لركلات الجزاء، كان واضحا أننا أمام بطل رياضي عربي عملاق مسلح بالثقة، ومن دون أن يكون متكبراً أو متعجرفاً أو ناكراً دور زملائه.
نجح ياسين بونو، وهو حارس مرمى فريق إشبيلية الإسباني، في التغلب على الإسبان في مهرجان رياضي في بلد عربي، محقّقاً سبقاً عربياً لم يسبق له مثيل في بطولات كأس العالم. ومما جذب العرب إليه ابتسامته التي عبّرت عن ثقة عالية في نفسه وقدراته، وفي قناعته بأن فريقه المغربي معه داعم له، يوفّر له الدفاع الأسطوري ضد فريق كان مرشّحاً للفوز بكأس العالم. الابتسامة التي عكست الثقة بالقدرات العربية، الثقة التي فقدها كثيرون منا منذ مدة، فالفرق العربية على سبيل المثال لم تفز بأي ميدالية أولمبية جماعية، في حين أن رياضيين عرباً أفراداً فازوا بكل ألوان الميداليات.
بعد المباراة مع فريق إسبانيا، سأل الصحافيون ياسين بونو عن الفوز، فلم يتحدّث عن دوره، بل كان كل كلامه عن الجهد الجماعي لمنتخب بلاده طوال مدة المباراة... وقد وقف المنتخب المغربي وقفة رجل واحد، لعبوا بجدّية ومثابرة وبتعاون، بعيداً عن الأنانية المعهودة لبعض النجوم. لعب المغاربة بشغف وحماس وشجاعة، في كل دقيقة من المباراة، وكانوا يركضون ويتابعون كل كرة من دون توقف أو كسل.
يعكس فوزا المغرب على إسبانيا والبرتغال المثل القائل إن النجاح مرض معدٍ
لم تكن المباراة مع إسبانيا سهلة، ولكن يبدو أن خطّة المدرب وليد الركراكي كانت مبنية حول قدرات حارس المرمى وخط الدفاع. فرغم أن الفريق الإسباني سيطر على الكرة في المباراة، فإنه فشل في تحقيق أي هدف مدة 120 دقيقة. وقد قال أحد المعلقين الأجانب في "بي إن سبورت" إنه فوجئ بالتزام منتخب المغرب بخطّة المدرب على مدى الـ 120 دقيقة. سطّر بتلك الخطة خريطة طريق، يمكن اتباعها لتحقيق نتائج مماثلة. وهي تتركّز على دراسة جيدة لوضعي الفريق والخصم، تحديداً نقاط القوة لديك، وثم رسم استراتيجية حول تلك النتائج، ولكن الأهم هو التزام حديدي للاعبين بالخطة التي وضعها المدرّب.
جاء نجاح المغرب بعد نجاحات عدة في المونديال، قد يكون أهمها إنجاز دولة قطر إقامة بطولة عالمية بحرفية ودقة توازيان أي بطولة عالمية، رغم التنمر والهجوم غير المسبوق عليها من دول غربية احتكرت عقوداً البطولات، وكأنها الوحيدة التي تستطيع أن تقيم بطولة ناجحة. ويعكس فوزا المغرب على إسبانيا والبرتغال المثل القائل إن النجاح مرض معدٍ، فقد جاءا بعد أن فاجأ المنتخب السعودي العالم بفوزه المقنع على منتخب الأرجنتين، وتبعه فوز مهم للمغرب على بلجيكا، كما فاز المنتخب التونسي على فرنسا. صحيح أن الفريق المغربي يبقى الوحيد في قطر بعد خروج الفرق العربية، إلا أن النجاح التاريخي في دور الستة عشر للمغرب جاء بعد أن قرّرت الفرق العربية إغلاق باب الفشل والشعور بالنقص.
ابتسامة حارس مرمى المنتخب المغربي لم تغادره، وقد كانت معدية للفريق، وفّرت لهم الثقة والإصرار على النجاح، فهل من الممكن أن تنقل تلك العدوى بالثقة بالنفس من دون تكبّر أو تعجرف إلى العرب قاطبة؟