لو كان المال رجلاً

16 سبتمبر 2022
+ الخط -

لو كان الفقر رجلاً لقتلته. لو كان المال رجلاً لعبدته. بين المنطقين يعيش الإنسان، محارباً للفقر أو عابداً للمال. وإذا كان الجميع يتفق على معنى المحاربة، فإن العبادة في هذا السياق تبدو غير طبيعية، لكنها حقيقة واقعة. حين يركع الشجعان والأقوياء أمام سطوة المال وإغرائه، فما من إلهٍ يومئذ أهم من العملة النقدية، وما يمكن أن توفره.

سالي التي ذهبت إلى البنك بمسدّس، لم تكن لتصدّق ذلك قبل سنوات. قبل تدهور الأوضاع ومرض أختها، ولم تكن لتتخيّل نفسها وهي تحمل مسدّسات، وتصعد على مكتب داخل وكالة بنكية.

ولكن الفقر قاتل، ومرض فرد من العائلة وعجزها عن تحمّل كلفة العلاج بسبب رفض البنوك منح المودعين حصتهم من المال، أمر يُذهب العقل لشدّة الألم، فماذا لو كنت تملك المال لكنهم يحرمونك إياه. يسرقونك وأنت في أشدّ الحاجة إليه كحاجتك إلى الهواء، فهو وحده السبيل إلى الحياة لبعضهم، لما يوفره من إمكانية اقتناء الدواء وتوفير الرعاية.

لو كان الفقر جداراً لهدمته، لو كان الظلم وادياً لردمته. ولو كان المسدّس يُنهي العجز، هل سيتردّد أحدنا لحماية الذين نحبهم أكثر من الحياة نفسها؟. قد يبدو ذلك عملاً يائساً أكثر من كونه فعلاً منتجاً، فما من ضمانة لأن تخرج الشابة حية من البنك بعد رفعها المسدّس. وقد لا يصل المال إلى أختها، وإذا وصل قد يسترد في كل الأحوال. مع ذلك، واصلت سالي ومن معها، ودخلت البنك على أية حال. لذلك ما في المسدس ليس رصاصة، بل صرخة. أن تلقم يومك بالأمل أمرٌ لا يقلّ خطراً عن تلقيمه بالرّصاص، فالأمل قد يصبح قنبلة، أما الرّصاص فسيبقى رصاصاً.

لن يرحم القانون ولا القضاء سالي حافظ. حتى لو أنها فعلياً أخذت مالها فقط. لكن تُهماً كثيرة سترافق عملية الأخذ، مثل التهديد بارتكاب جناية ضد الأشخاص والأموال، والتهديد بالسّلاح، حتى لو ثبت أنه كان مجرّد لعبة كما قال بعضهم، وتعريض حياة الآخرين للخطر، وغيرها من جناياتٍ تحمل كلّ منها مدة سجن غير يسيرة.

نتمنّى أن تنجو سالي من هذا المصير، وأن تنتهي مبادرتها الشّجاعة بشكل إيجابي لعائلتها. فهي تستحق ذلك. كما يستحقها كثيرون وكثيرات من غير المحظوظين في هذا العالم. تشبه مبادرة سالي حافظ ما حدث في مسلسل "casa de papel"، أحد أروع الأعمال الدرامية، الذي يحكي كيف سرقت مجموعة من الأشخاص بنكاً. ورغم أن لا أحد منهم كان له قريب مريض، لكننا تعاطفنا مع اللُّصوص ضد جشع الرأسمالية، وتغوّل الدولة، وفساد السّياسيين.

لعل سالي حافظ روبن هود عصرنا هذا. ولعلها من مؤشّرات الديستوبيا التي تعيشها دول عربية عديدة، حيث تنهار الدولة ويضطر الفرد إلى التصرّف من أجل النجاة، سواء بأخذ ماله أو مال غيره. المهم أنه يدرك أنه وحيد في زمن سيّئ، وأنه صار يعيش في غابةٍ بدأت تكشف كائناتها عن أقنعتها، وتوشك أن تنطلق الوحوش التي تقيم في أحشاء كل واحد منها. حتى الأشجار لن تنجو من عدوى العنف، من أجل البقاء. والبقاء للأقوى كما تعلمنا جميعاً.

تُحاول الدولة والقانون حبس اللصوص الصغار لمنع تمرد الشّعوب المغلوبة على أمرها. بينما تحمي اللصوص الكبار، لأن اللعب مع الكبار خطير، ولا يمكن المساس بهم من دون عواقب. عدا أنه ينطبق عليهم عنوان "يا عزيزي كلنا لصوص"، فلا يزايدنّ لصٌّ على إخوته اللّصوص.

في حالة سالي، تواجه الأسرة مرضاً مرعباً، لعله الأسوأ في العصر الحالي. يمسّ نسبة كبيرة من الناس. وكل من أعراضه أو دوائه مرعبان. من عايش مريضاً به يدرك حجم الألم والموت البطيء، الذي لا تفيد فيه حصص الكيماوي، إلا في مضاعفة الألم، والنهاية محتومة لحالاتٍ كثيرة.

الدرس الذي لن تتّعظ منه أي حكومة عربية هو، لا تدفع أحداً إلى الحافّة، فأنت لا تعرف ماذا يمكن أن يفعل شخصٌ وُضع على الحافّة، ولا يمكنك توقع تصرّفاته على الإطلاق.

596D72F8-6B45-4709-8735-7AC0F35F2CE1
596D72F8-6B45-4709-8735-7AC0F35F2CE1
عائشة بلحاج

كاتبة وصحافية وشاعرة مغربية

عائشة بلحاج