لقد هرمنا.. ولقد سئمنا

18 ديسمبر 2014

ما شعور الحفناوي وهو يتابع ما حصل لثورة الشباب؟

+ الخط -

لا يعلم أحد على وجه الدقة ماذا فعلت الأيام بأشهر "مجهول" في جمهور الربيع العربي، ذلك الرجل التونسي، صاحب المقهى الكائن في واحدة من ضواحي العاصمة، حين كتب بدموعه عبارة "لقد هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية"، ليلة سقوط زين العابدين بن علي عام 2011.

لا يعلم أحد ما إذا كان المعلم أحمد الحفناوي قد مشى على قدميه، وذهب إلى صناديق الاقتراع في انتخابات الرئاسة التونسية، مسجلاً لحظة تاريخية أخرى، أم اكتفى بالجلوس في مقهاه؟

وإذا كان قد ذهب، فلمن وضع صوته؟ لظل زين العابدين بن علي، أم لمرشح من المفترض أنه معبر عن ثورة الشباب التونسي الذي صرخ فيه الحفناوي في تلك الليلة "فرصتكم، أيها الشباب التونسي، لكي تقدموا لتونس ما لم نقدمه نحن"؟

وما شعور الحفناوي، الآن، وهو يتابع ما حصل لثورة الشباب، وما أصابها من نَوَّاتٍ وأعاصير داخلية وخارجية، تكاد تضع في كابينة قيادة تونس شخصين مجموع عمريهما 171 عاماً، تسعون عاماً للسبسي، رجل بن علي الطامح في رئاسة الجمهورية، وواحد وثمانون عاماً لرئيس البرلمان، محمد الناصر، أحد بقايا نظام بن علي أيضاً؟

وماذا سيقول الرجل، وهو يسمع أن الأغلبية البرلمانية في مجلس الشعب التونسي، والمعبرة شكلاً وموضوعاً عن نظام بن علي، قد اقترحت في جلسة رسمية، أمس، تشكيل لجنة لإجراء التعديلات على الدستور، دستور ثورة الشباب التي أطاحت نظام الاستبداد الأمني والفساد السياسي؟

لا أحد يعلم موقف "حفناوي الثورة التونسية" مما يدور، الآن، من غرائب وعجائب سياسية. كل ما نعلمه أنه في تونس، كما في مصر واليمن وليبيا، عادت الأنظمة القمعية القديمة محمولة على ظهر ثورات مضادة، لافتراس ما تبقى من زهور في حدائق الربيع العربي.

ما نعلمه، ونراه، أن تونس الثورة منعت عرض فيلم سينمائي لمخرج تونسي يعيش في بلجيكا، يتناول أهوال وفظائع التعذيب التي مارسها نظام الدكتاتور المخلوع ضد معارضيه من الإسلاميين، حيث قررت إدارة مهرجان قرطاج السينمائي منع عرض فيلم "صراع" ومصادرته، تماماً كما كان يفعل بن علي مع الكتابات المناوئة والأعمال الفنية المشاغبة.

لقد كتب مخرج الفيلم، الفنان منصف بربوش، على صفحته أمس "لقد أخرجت في حياتي ما يقارب السبعة عشر فيلماً كلها عن قضيتين، فلسطين وحقوق الإنسان، ولم يعتن بها إلا الشعب، فتداولتها الناس خلسة، ودفع الكثير من الناس ثمناً لذلك، فاعتبرت أفلامي تحريضية، ومنعت من العرض ونكّل بكل من كان يقوم بترويجها. حتى أفلامي التي أخرجتها في التلفزة الوطنية التونسية لم تعرض ولو مرة واحدة؟ وبقي الإعلام في سباته، كما هو الحال، اليوم، إلا ما رحم ربي".

ويا لها من مفارقة، أن تتم مصادرة عمل سينمائي في بدايات عمل سلطة برلمانية وتنفيذية، نجحت في حصد أصوات الناس، بدعوى أنها تحافظ على علمانية تونس، واستنارتها الفكرية، وتدافع عن حرية الفن والإبداع، في مواجهة فزاعة ما روجت أنها "قوى الظلام والتخلف والرجعية".

لقد بادر المنصف المرزوقي باستضافة الفيلم ومخرجه، لعرضه لجمهور محدود في قصر قرطاج، وهذه نكتة سياسية أخرى، أن يتم عرض الأعمال الفنية المصادرة خفية في قصر رئاسة الدولة!

غير أن السؤال الأهم يبقى هنا: من المسؤول عن اللعب في وجدان جماهير الثورات العربية، بحيث تنتقل من الهتاف الصاخب "لقد هرمنا" إلى الأنين الصامت "لقد سئمنا"؟

إن أخطر ما أصاب الربيع العربي هي تلك الفيروسات التي انتقلت إليه عبر مجموعة من المناضلين المزيفين، الذين وجدوا الربيع فرصة لتعويض خسائر وهزائم الماضي في معاركهم الذاتية العقيمة، فلما تغير اتجاه الريح لصالح الثورة المضادة، قرروا الاستثمار في بورصة "البديل الثالث"، فوضعوا قدماً فيما تبقى من أرض الثورات، والقدم الأخرى في مراعي الدولة العميقة العائدة.. بحجة الواقعية.

وائل قنديل (العربي الجديد)
وائل قنديل
كاتب صحافي مصري من أسرة "العربي الجديد" عروبي الهوية يؤمن بأنّ فلسطين قضية القضايا وأنّ الربيع العربي كان ولا يزال وسيبقى أروع ما أنجزته شعوب الأمة