لبنان: موت بطيء بانتظار البديل

27 مايو 2022
+ الخط -

يتأرجح اللبنانيون بين الحياة والموت. وبتعبير أدقّ يعيشون على هامشهما. كل شيء مكلفٌ في هذا البلد. وحدها حياة الإنسان تكاد تكون الأرخص ثمناً. لا كهرباء ولا ماء ولا دواء ولا طبابة ولا طحين ولا محروقات، إلا إذا كنت تمتلك كثيرا من المال. انهيار جماعي للخدمات أو أبسط مقومات الحياة. كل فاتورة خدمات يدفع ثمنها أضعافا مضاعفة.

وعلى قدر الأزمات تغيب الحلول. الطبقة السياسية منشغلة بما هو أهم بالنسبة إليها. حفظ يدها العليا على حياة اللبنانيين. معارك كثيرة تلوح في الأفق، أسهلها واقعياً رئاسة البرلمان. المعادلة تقول إن نبيه برّي سيحظى بولاية جديدة، لكن ما يشغله اليوم ليس الانتخاب المحسوم، بل عدد النواب الذين سيختارونه. البدع الدستورية حاضرةٌ لاحتمال تأجيل جلسة الانعقاد الأولى للمجلس الجديد ما لم تتوفر الأصوات المُرضية له، لكن المنصب محفوظ. المعركة التالية بالنسبة للسلطة رئاسة الحكومة وتشكيل الوزارة العتيدة. ما الذي ستقود إليه الاستشارات النيابية، وكيف ستُصاغ التحالفات والتسميات ليس واضحاً بعد. الطامحون لهذا المنصب كثر، والمحتمل اختيارهم، عددهم لا يتخطّى عدد أصابع اليد الواحدة. سيكون مفاجئاً لو أفرزت الاستشارات اسماً من خارج الطبقة السياسية والأسماء المعروفة. ليس هناك ما يوحي بأن هناك انقلاباً على النظام السياسي، أقلّه مرحلياً. وكلما كانت الآمال واقعيةً كان ذلك أفضل لخوض اللعبة السياسية في المرحلة المقبلة، والتي يفترض أن تصل إلى ذروتها بانتخاب رئيس جديد للجمهورية في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.

لذلك، يفترض أن أداء البرلمان ككل هو الأكثر أهمية وليس من يكون رئيسه. وعلى الرغم مما أفرزته الانتخابات التشريعية أخيرا من نتائج، والتي لم تمنح أي طرفٍ أغلبية واضحة، إلا أنها على الأقل حرمت القوى الرئيسية من الأغلبية، ومنحت النوّاب المحسوبين على قوى التغيير، سواء 13 كما يحسب بعضهم، أو 16 كما يحسب آخرون، فرصة لفرض توازناتٍ جديدة يفترض أن تترجم على أكثر من صعيد.

الأزمة الاقتصادية – الاجتماعية تعدّ الأكثر إلحاحاً راهناً. ما هو مأمولٌ من هؤلاء النواب ليس اجتراح معجزات، فهذا يقع في خانة التعجيز والوهم. المطلوب منهم تقديم بدائل واقعية قابلة للتبنّي والتطبيق. وعلى الأقل، هناك عدد لا بأس به منهم لديهم رؤى اقتصادية واجتماعية واضحة في هذا الشأن، تتيح لهم أن يكونوا في موقع المتصدّر للتصدّي لجميع الطروحات التي تحاول الاستمرار في تحميل المسؤولية، وعبء تكاليف الأزمات للمواطنين الذين لم يعد في مقدورهم التحمّل أكثر. من الخطأ الاستهانة بلوبي السياسيين والمصارف الذي رسّخ قوته ونفوذه طوال عقود، حتى أفرزت الانفجار الذي يعيشه اللبنانيون منذ سنوات، فحتى الخلافات اليوم بين الحكومة والمصارف، بسبب خطّة التعافي التي قدمتها الأولى، والرفض الصريح لها من جمعية المصارف، لن تطول، قبل أن تذوب، في حال وجدوا أنفسهم أمام عدوٍّ مشترك، قادر على إحراجهم بطروحاته والخيارات البديلة لمنع أي سطوٍ على أملاك الدولة بذريعة إدارتها، لتُعاد "إلى المودعين حقوقهم، وإن على المديين، المتوسط والبعيد". وهذه التبريرات هي أقرب إلى دسّ السم في العسل، بعدما تواطأت المصارف مع المصرف المركزي على نسج الأزمة المالية، ومن ثم تفجيرها، ثم تآمرت مع السياسيين على تهريب أموالهم خارج لبنان، وحرمان المواطنين من ودائعهم. ولذلك، تكون المعركة الراهنة الأساسية في وجه هذه الأطراف. أما المعركة الحقيقية على المديين المتوسط والبعيد، فتتمثل في العمل على إعادة بناء الدولة، لأن المعادلة واضحة وبسيطة: كلما ضعفت الدولة زادت هيمنة الأحزاب والمليشيات وتعزّزت الزبائنية السياسية، وكلما ترسّخت الدولة تراجعت القوى الأخرى.

جمانة فرحات
جمانة فرحات
صحافية لبنانية. رئيسة القسم السياسي في "العربي الجديد". عملت في عدة صحف ومواقع ودوريات لبنانية وعربية تعنى بالعلاقات الدولية وشؤون اللاجئين في المنطقة العربية.