لبنان في مسابقة الجمال والحرب
حصدت ياسمينا زيتون (24 عاما)، ملكة جمال لبنان 2022 لقب الوصيفة الأولى لملكة جمال العالم 2024 في الحفل الذي أقيم أخيرا في مومباي في الهند. يعتبر هذا الإنجاز مهمّا للبنان، حيث إن شابة لبنانية أصبحت وصيفة لملكة جمال العالم كريستينا بيتشكوف من التشيك. وتمكنت ياسمينا زيتون أيضا من الفوز بلقب ملكة جمال آسيا وأوقيانيا. وأشاد كثيرون بجمالها وذكائها. واستغلت منصّتها في المسابقة للتحدّث عن الأزمات التي يواجهها لبنان والعالم العربي، مثل الحرب والجوع والفقر والأمن الغذائي. وركّزت على أهمية التنمية المستدامة ومقاومة ثقافة الموت، ما ساعدها على الوصول الى مرتبة الأربعين الأوليات في المسابقة. كما أعربت عن رغبتها "بإنشاء مطبخ عام يقدم الطعام مجّانا للمحتاجين كجزء من خططها المستقبلية".
وتعكس هذه القضايا التي تحدثت عنها ياسمينا الظروف الصعبة التي يعيشها الشعب اللبناني، وتظهر التزامها بالعمل على تحسينها .اسم تحوّل الى "تريند" على شبكات التواصل الاجتماعي، على نضارة، بعكس صورةٍ أخرى تعرّضت للتمزّق والانقسامات.
لدى ياسمينا أصول فلسطينية أردنية من جهة والدتها أسمهان الهلالي، من مواليد بلدة كفرشوبا اللبنانية، يعمل والدها إسماعيل زيتون مزيناً نسائياً في صالون يملكه في صور، وهذه المنطقة شاهدة على اشتباكات دائمة عسكرية تأتي في سياق التوتّرات المستديمة مع الإسرائيلي المحتل إلى أقصى ضفة العنف على الحدود في المنطقة، وتعكس ماضيا وحاضرا الوضع الأمني المتفلت والمقلق، الذي يؤثر على حياة السكان هناك. فانتقلت ياسمينا ودرست في جامعة سيدة اللويزة، وفي 2021 حازت شهادة مقدمة تلفزيونية في معهد الجزيرة للإعلام في الدوحة. وفي 2022، بدأت في تقديم عرض تلفزيوني "مع ياسمينة شو".
تتضمّن المعايير في مسابقات الجمال عدة جوانب، منها جمال المظهر، الثقافة، والموهبة، بالإضافة إلى القدرة على الإجابة على أسئلة لجنة التحكيم. تميّزت ياسمينا بجمالها الطبيعي والقدرة على التواصل الفعّال. وهي صفاتٌ، تعتبر مهمّة في المسابقات. وبالمقارنة مع الملكة والمتسابقات الأخريات، يمكن القول إن ياسمينا استطاعت أن تبرُز بفضل تميّزها في هذه المعايير، وقدرتها على تمثيل ثقافتها وبلدها ومنطقتها العربية بشكل إيجابي، كما تأكيدها على القضايا الاجتماعية والإنسانية خلال المسابقة، قد ساعد في تعزيز مكانتها وتميّزها عن زميلاتها.
ليست المسابقة مجرّد تقييم للمظهر الخارجي، بل هي منصّة لعرض مواهبهنّ ورؤيتهنّ إلى العالم في مجموعة واسعة من الصفات التي تجعل فتاة تبرُز بين الآخريات
لبنان في مسابقة الجمال والحرب، بلد ذو تاريخ طويل وثقافة غنيّة، يواجه تحدّيات كبيرة بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية. ومع ذلك، يظهر الشعب اللبناني قوة ومرونة استثنائية في مواجهة هذه التحدّيات. مشاركة ياسمينا في المسابقة وحصولها على لقب الوصيفة الأولى مثال عن الجمال والقوة اللبنانية، إنه يعكس الروح الإيجابية في المنطقة ككل والأمل في مستقبل أفضل، حتى في أوقات الصعوبات والاشتغال ببحث اللبنانيين عن شيٍْء للأكل والهرب من قرارات الحرب. كأنها مثل قرارات نهاية الحياة المؤلمة، استخدمت الشابة قصّتها للتعبيرعن القضايا المهمة في منطقتها ولتسليط الضوء على تلك الظروف الصعبة، ما يظهر أن الجمال يمكن أن يكون أداة للتعبير عن التأثير الإيجابي. الجمال يعني إزالة الفوارق وتأمين شروط الحياة، والشعور بالرضا بخصوص استمرار البقاء في العالم قريبا من البشر الآخرين، ومن نوع علاقة إنتاج الجسد مع جسم الأرض.
مشروعا الحرب والجمال في لبنان هما طرفان متناقضان في الوجود الإنساني. تجلب الحرب الدمار والألم والفقدان، بينما الجمال يمكن أن يوفّر الراحة والأمل والإلهام، حتى في أصعب ظروف الأفراد. في الحرب، تزهق الأرواح والقلوب تحترق. ليس الجمال إلا نبض الحياة في وجه الدمار الذي بدأ يلفّ قرى الشريط الحدودي، الذي تهجّرت منه ياسمينا وعائلتها، وفي عين العاصفة التي تحيط باللبنانيين حالياً.
تذكّر ياسمينا اللبنانيين بأن هناك أملا، وأن هناك غدا، وأن في القلب اللبناني متسعا للحب، حتى في ظل الحرب المتصاعدة في الجنون. ... يمكن أن يكون للحرب والجمال كيانهما الخاص في سياقات صعبة. قد يطمئن بعضهم الى مثل جمال ياسمينا ولغتها ونبرتها، وهناك من قد يجد جمالا في الحرب، وقد تحدّث نائب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم "عن جهوزية"، و"أن الحرب ستتوسع". وقد يظهر كيف يمكن للإبداع أن ينبثق من الألم ومن الفوضى التي يمكن أن تكون مدمرّة أو خلّاقة.
ليس هذا حال قادة تدوير "النفايات السياسية" من اليمين المتطرّف في إسرائيل، وتحويلها الى منتجاتٍ عالمية جميلة في الإحتلال والاستيطان والإبادة والتطهير العنصري. في المقابل، قد يرى أن هناك جمالا في الحرب من خلال الشجاعة والتضحية التي يظهرها أبناء الشعب الفلسطيني، ومن خلال إرادة البقاء على الأرض. فن البقاء الذي نشأ واستمرّ كرد فعل على الصراع ويعبّر عن الأمل والإنسانية. ومع ذلك، لا يقلّل هذا من الدمار والمعاناة التي تتسبّب بها الحرب، والتي لا يمكن إنكارها.
تذكّر ياسمينا زيتون اللبنانيين بأن هناك أملا، وأن هناك غداً، وأن في القلب اللبناني متسعاً للحب، حتى في ظل الحرب المتصاعدة في الجنون
لدى الهند تاريخ من مسابقات ملكة جمال العالم. فازت عدة هنديّات باللقب، ما لا يعكس فقط جمالهن الخارجي، ولكن أيضاً ذكاءهنّ وقدرتهنّ على التأثير إيجابيا في الجميع. تعبّر هذه الإنجازات كيف يمكن لمسابقات الجمال أن تكون منصّة للتعبير عن قيم التنوع والتمكين.على سبيل المثال فازت ملكة جمال الهند، هارناز ساندو، بلقب ملكة جمال الكون عام 2021، وقد تفوّقت على 79 منافسة من دول العالم، ما يعكس الجمال والثقافة وما تمثله الهند الحديثة. وفي عام 2022، فازت سارجام كوشال في مسابقة ملكة جمال العالم للسيدات باللقب. وتبرُز هذه الإنجازات أيضا الجمال الذي يمكن أن ينبثق من الديمقراطية، حيث تعطى الفرصة للجميع بالتعبيرعن أنفسهم ومشاركة قصصهم وثقافاتهم مع العالم. إنها تظهر كيف يمكن للمسابقات أن تكون أكثر من مجرّد عرض للجمال الخارجي، بل هي احتفالٌ بالتنوع والقدرات الإنسانية. صحيحٌ لم تحصل ياسمينا على اللقب الأول. لكن الفارق في المسابقات يكون ضئيلا. وليست المسابقة مجرّد تقييم للمظهر الخارجي، بل هي منصّة لعرض مواهبهنّ ورؤيتهنّ إلى العالم في مجموعة واسعة من الصفات التي تجعل فتاة تبرُز بين الآخريات. ليس مجرّد جمال جسدي، بل التعبيرعن الروح والشخصية والكاريزما والتفاصيل الدقيقة في التجربة الإنسانية والجاذبية الشخصية بطريقة فريدة وجاذبة.
في النهاية، يعتمد الفوز في هذه المسابقات على مزيج من العوامل، ومن المهم الاعتراف بأن كل مسابقةٍ تجلب معها قصتها الخاصة. هي شرعية الجمال مقابل شرعية الحرب والنزاعات، وما يوحي به السلاح. الجمال هو أيضا فن، وربما هو الأكثر سموّا من السياسة غير القابلة للاندماج، ولا تبذل جهودٌ كبيرةٌ للتغيير في غياب الأشكال الجميلة.