12 يوليو 2024
لبنان: حكومة العجز والتخاريف
طلب وزير من اللبنانيين، قبل أيام، التقليل من شراء اللحوم، والتركيز على شراء الدجاج لأنه أرخص. ثم وجد وزير آخر حلاً لمشكلة الارتفاع الجنوني في أسعار البيض والدجاج، مطالباً بمقاطعة المنتجين أياما. تصريحات الوزيرين هي الملخص المفيد للعقلية التي تدير بها الحكومة اللبنانية الأزمات المتلاحقة. يعيش لبنان انهياراً مالياً متسارعاً، مع تخطّي سعر الدولار الواحد عتبة الـ3400 ليرة (أكثر من 100% من السعر الرسمي المحدد بـ1515 ليرة). ولكن الحكومة تقف متفرجة. تكتفي بالإقرار بارتفاع جنوني في الأسعار يتخطى الـ70% من دون اتخاذ أي خطوات جادّة لكبح الاحتكار والغلاء. وحلولها تبدو كأنها آتية من كوكب آخر.
يحاول اللبنانيون الذين خسروا أكثر من نصف قيمة رواتبهم (في حال لا يزالون يتقاضونها) العيش بالحد الأدنى. باتوا يفاضلون في الأولويات وليس الكماليات. والأخيرة تشمل اللحمة والدجاج والبيض التي يطالبهم الوزراء بمقاطعتها. يدور اللبنانيون، بدون أي مبالغة، على المحال الغذائية، يقارنون الأسعار ثم يشترون كل سلعة من المكان الذي يرون أنه الأرخص لتخفيض فواتيرهم ما استطاعوا إليه سبيلاً. تحوّلت سلع أساسية إلى "ترف" يتخطّى قدراتهم الشرائية. أما المياومون (عمال اليوم)، أو الذين طردوا من وظائفهم جرّاء الانهيار الاقتصادي وتداعيات فيروس كورونا فهم يعيشون على صندوق الإعاشة الذي يصل إليهم من الجمعيات غير الحكومية وبعض المبادرات الفردية، بينما لا تزال الحكومة عاجزة عن توزيع المساعدة الطارئة التي أقرتها لهم بقيمة 400 ألف ليرة (نحو 117 دولارا بسعر الليرة في السوق).
أما حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، فيحكم كما يحلو له. يواصل إغراق البلد وإفلاسه وإصدار التعاميم لحرمان المودعين من الحصول على أموالهم التي جمعوها بالدولار. أحدث ابتكاراته السماح للمواطنين بسحب جزء من أموالهم بالدولار بالتقسيط من المصارف، على أن يستلموها بالليرة اللبنانية، وبسعر أعلى من السعر الرسمي وأقل من سعر السوق. يريد تصوير الأمر على أنّ معادلة خسارة جزئية أفضل من خسارة كاملة. لكنه عملياً يقول للبنانيين إنكم لن تروا دولاراً واحداً، إما أن تقبلوا بما نمنّ به عليكم أو أمامكم الجدران، فاتحاً المجال أمام مزيد من انهيار في سعر الليرة. حتى أن رئيس الحكومة، حسان دياب، خرج يوم الأربعاء شاكياً الحاكم على الملأ بقوله إنه لا ينسّق مع الحكومة بشأن فرماناته.
هو إذا إقرار من حكومة اللون الواحد بأنها عاجزة بكل المقاييس. وهي تتلقى الضربات من داخلها أكثر من الخارج. ثاني أيام جلسات المجلس النيابي منذ تفشّي كورونا، يوم الأربعاء الماضي، كانت كافيةً لإظهار دياب مكبّلاً، يتلقى الضربات ممن يفترض أنهم حلفاؤه ومن أتوا به إلى المنصب. أسقط المجلس النيابي الذي يترأسه نبيه بري، والذي لم يعد يخفي علانية امتعاضه من رئيس الحكومة، صفة المعجّل عن مشاريع قوانين طارئة عدة، ورفض مناقشة مقترح حكومي بفتح اعتماد مالي لتغطية شبكة الأمان الاجتماعي، حتى أن دياب تلقى توبيخاً من برّي أمام النواب، على قاعدة أنه لا يستطيع أن يملي عليه شيئاً.
يحصد دياب ما زرعه بنفسه. منذ اللحظة الأولى لتكليفه بتشكيل الحكومة خلفاً لسعد الحريري، لم يكن أحد يرى فيه سوى أداة تدار عن بُعد. ووحده دياب حاول تصوير نفسه رجل "الإصلاح والتغيير". غرّه لقب "دولة الرئيس"، فدخل اللعبة مزهواً بنفسه، وعندما حاول تجاوز دوره وإغفال أن من جاء به قادر على إخراجه من السراي الحكومي متى يشاء، ما لم يطع الأوامر، كان هناك من يعيد تذكيره بأنه مجرد رهينة لمن أتى به.
أما حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، فيحكم كما يحلو له. يواصل إغراق البلد وإفلاسه وإصدار التعاميم لحرمان المودعين من الحصول على أموالهم التي جمعوها بالدولار. أحدث ابتكاراته السماح للمواطنين بسحب جزء من أموالهم بالدولار بالتقسيط من المصارف، على أن يستلموها بالليرة اللبنانية، وبسعر أعلى من السعر الرسمي وأقل من سعر السوق. يريد تصوير الأمر على أنّ معادلة خسارة جزئية أفضل من خسارة كاملة. لكنه عملياً يقول للبنانيين إنكم لن تروا دولاراً واحداً، إما أن تقبلوا بما نمنّ به عليكم أو أمامكم الجدران، فاتحاً المجال أمام مزيد من انهيار في سعر الليرة. حتى أن رئيس الحكومة، حسان دياب، خرج يوم الأربعاء شاكياً الحاكم على الملأ بقوله إنه لا ينسّق مع الحكومة بشأن فرماناته.
هو إذا إقرار من حكومة اللون الواحد بأنها عاجزة بكل المقاييس. وهي تتلقى الضربات من داخلها أكثر من الخارج. ثاني أيام جلسات المجلس النيابي منذ تفشّي كورونا، يوم الأربعاء الماضي، كانت كافيةً لإظهار دياب مكبّلاً، يتلقى الضربات ممن يفترض أنهم حلفاؤه ومن أتوا به إلى المنصب. أسقط المجلس النيابي الذي يترأسه نبيه بري، والذي لم يعد يخفي علانية امتعاضه من رئيس الحكومة، صفة المعجّل عن مشاريع قوانين طارئة عدة، ورفض مناقشة مقترح حكومي بفتح اعتماد مالي لتغطية شبكة الأمان الاجتماعي، حتى أن دياب تلقى توبيخاً من برّي أمام النواب، على قاعدة أنه لا يستطيع أن يملي عليه شيئاً.
يحصد دياب ما زرعه بنفسه. منذ اللحظة الأولى لتكليفه بتشكيل الحكومة خلفاً لسعد الحريري، لم يكن أحد يرى فيه سوى أداة تدار عن بُعد. ووحده دياب حاول تصوير نفسه رجل "الإصلاح والتغيير". غرّه لقب "دولة الرئيس"، فدخل اللعبة مزهواً بنفسه، وعندما حاول تجاوز دوره وإغفال أن من جاء به قادر على إخراجه من السراي الحكومي متى يشاء، ما لم يطع الأوامر، كان هناك من يعيد تذكيره بأنه مجرد رهينة لمن أتى به.