لبنان ... انهيار بانتظار لقاء باريس الرباعي

06 فبراير 2023
+ الخط -

حالة من الانهيار المتواصل والمستمرّ يعيشها لبنان في ظلّ الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، وباتت تشبه كرة الثلج، كلّما تدحرجت ومرّ عليها يوم، كبرت وتعاظمت وخلّفت أزمات أخرى في جوانب عديدة من حياة اللبنانيين. وتترافق هذه الأزمة مع انسداد سياسي يتمثّل في فشل المجلس النيابي في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، على الرغم من مرور بضعة أشهر على الشغور في سُدّة الرئاسة الأولى، وانعقاد 11 جلسة للمجلس، لم تُفلح أيّ منها في انتخاب رئيس. ويدرك الجميع في لبنان أنّ مفتاح الحلّ للأزمتين الاقتصادية والسياسية يكمن في انتخاب رئيس للجمهورية. ومع ذلك، بات المشهد اللبناني محكوماً بالانتظار، وفي ظلّ هذا الانتظار، يستمرّ الانهيار مُهدّداً بقاء الكيان اللبناني، وعلى أقلّ تقدير، النظام السياسي القائم على شيء من التوازن الحافظ للاستقرار، على الرغم من العلّات الكثيرة والعديدة لهذا النظام.
جرى الحديث، أخيرا، عن مساعٍ قطرية فرنسية لعقد لقاء رباعي في باريس في الأسبوع الأول أو الثاني من شهر فبراير/ شباط الحالي، بمشاركة الولايات المتحدة والسعودية، لبحث المساعدة في إيجاد حلّ للأزمة اللبنانية قبل الوصول إلى الانهيار الكامل. ومع الحديث عن هذه المساعي، أو إذا صحّ القول الوساطة، وفي ظلّ الفشل الداخلي اللبناني في الوصول إلى تسوياتٍ أو حلول، وتمسّك القوى الداخلية بمواقفها من دون استشعار حجم الكارثة التي قد تحلّ بلبنان، أضحى اللبنانيون في حالة انتظارٍ لما يمكن أن يتمخّض عنه لقاء باريس، كما لو أنّ الحلّ للأزمتين السياسية والاقتصادية من اختصاص الخارج أو أصدقاء لبنان وأشقائه فحسب. وهنا السؤال: هل يمكن أن يشكّل لقاء باريس مدخلاً إلى الحلّ، أو أن يطرح خريطة طريق تُخرج لبنان من أزماته؟

تمدّد الأزمة واستمرارها سيجعلان المشهد مختلفاً مع مرور الوقت، وربما أكثر كلفة

لإدراك ذلك، لا بدّ من إدراك حقيقة أخرى، أنّ هناك قوى أخرى مؤثّرة وفاعلة في المشهد اللبناني، وبالتالي لا بدّ من أخذ هذا المعطى بعين الاعتبار، بغض النظر عن الحديث عن استخدام لبنان ساحة بين المتنافسين أو المتصارعين، فهذه القوى وإن كانت لا تمتلك القدرة على صناعة القرار في لبنان، إلا أنّها تمتلك القدرة على التعطيل والتأثير. وبالتالي، تمدّد الأزمة واستمرارها سيجعلان المشهد مختلفاً مع مرور الوقت، وربما أكثر كلفة. 
ينتظر اللبنانيون لقاء باريس الرباعي ونتائجه، وربما يعوّل قسم كبير منهم عليه، غير أنّ للمشاركين فيه حساباتهم الخاصة، فقطر، صاحبة المسعى إلى عقد هذا اللقاء، تريد للبنان أن يخرج من أزماته، ويعود إلى وضعية الاستقرار التي كان عليها بعد تسوية الدوحة في العام 2008. وتحاول أن تطرح مع الجهات المعنية، في الاتجاهات المختلفة، أفكاراً لبلورة حلّ يبدأ بالاتفاق على رئيس جديد للبلاد، يشكّل المدخل إلى فتح الأفق السياسي أمام الحلول، وبالتالي انفراج الوضع الاقتصادي، آخذة بالاعتبار المطالب الخليجية التي حملها إلى لبنان قبل نحو عام تقريباً وزير الخارجية الكويتي ناصر الصباح. 
وتسعى فرنسا إلى توطيد حضورها في منطقة شرق المتوسط، وتعتبر لبنان منطقة حيوية بالنسبة لها، خصوصا في ظل تراجع الحضور الفرنسي في أفريقيا، وبالتالي، هي معنيّة بصناعة الحلول في المشهد اللبناني، بغض النظر عن النتائج التي يمكن أن ترسو عليها هذه الحلول. أمّا السعودية فتمارس ما يصحّ تسميته الزاهد المهتم. بمعنى هي تبدي الاستعداد للمساعدة، لكنّها تربط ذلك بمدى استعداد اللبنانيين لبناء دولة خارج الهيمنة التي ترى أن حزب الله يمارسها على لبنان. بينما تستعمل الولايات المتحدة وإيران، الغائبان الحاضران في لقاء باريس، لبنان ساحة تنافس بينهما مرتبطة بشكل وثيق بكل ما يجري في الجوار الإقليمي. 
تستمرّ حالة الانهيار في لبنان، وينتظر اللبنانيون نتائج لقاء باريس، فيما الحلّ الحقيقي بأيديهم، وأساسه تقديم المصلحة اللبنانية على كلّ حسابات أخرى، وبذلك يساعدون الخارج ليساعدهم بمقدار ما يضعون له حدّاً لعدم استخدام بلدهم ساحةً في تحقيق مصالحه وتطلّعاته.