لبنان: الغرق في الوهم مرّتَين

24 يونيو 2024

قرية عيتا الشعب في جنوب لبنان تتعرض لقصف إسرائيلي (1/8/2006فرانس برس)

+ الخط -

في العدوان الإسرائيلي على لبنان (2006) كانت المواقف الأميركية هي ذاتها التي تصدر عن واشنطن ونحن في العام 2024 بشأن العدوان على غزّة، والتهديد بعدوان مماثل على لبنان.غباء، أو استغباء، إدارة جورج بوش (الابن) في التأييد المطلق لعدوان الاحتلال الصهيوني على لبنان قبل 18 عاماً يتكرّر، الآن، مع المشاركة الأميركية الكاملة في العدوان على غزّة.
في عام 2006، وبعد الهجوم الإسرائيلي على لبنان، أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية، في حينه، كونداليزا رايس، أنّ الشرق الأوسط الجديد سيولد من رحم هذه الحرب، وتلك كانت عقيدة المحافظين الأميركيين الجدد، الذين تشرّبوا مبدأ الانحياز الأعمى للحلم، أو الوهم الصهيوني، في الهيمنة على الشرق الأوسط وامتلاك إدارته، كما تمنّى رئيس وزراء الاحتلال الأسبق شمعون بيريس، الذي هزمته المقاومة اللبنانية في غير جولة، بعبارته الشهيرة: "لقد جرّب العرب قيادة مصر المنطقة نصف قرن، فليجرّبوا قيادة إسرائيل إذن"، في كتابه الشهير عن الشرق الأوسط الجديد (1996). كتب المعلق الأميركي بول كريغ روبرتس، في ذلك الوقت، في مقاله بعنوان: "الولايات المتّحدة متواطئة مع إسرائيل في تحطيم لبنان"، إنّ ما نشاهده في الشرق الأوسط هو "تحقّق خطّة المحافظين الجدد في تحطيم أيّ أثر للاستقلال العربي الإسلامي، والقضاء على أيّ معارضة للأجندة الإسرائيلية".
كان حزب الله، في تلك الأثناء، يمثّل المقاومة الأكبر والأقوى للتصوّر الصهيوني الأميركي للشرق الأوسط، ومن ثمّ كان هو الهدف المختار بعناية من تل أبيب وواشنطن لتنفيذ الهجوم، الذي ظنّوا أنهم قادرون من خلاله على استئصال حزب الله ومقاومته، وطردها خارج جغرافيا الشرق الأوسط، كما هو حاصل الآن، بالضبط، مع أوهام القضاء على المقاومة الفلسطينية في غزّة.
في ذلك الوقت، كان صحافي التحقيقات الأميركي سيمور هيرش قد كشف خطّةً بين إدارة بوش (الابن) وقادة الكيان الصهيوني للقضاء على قوات حزب الله، وإنهاء وجوده في الأراضي اللبنانية، خطوة لازمة لكي تتمكّن واشنطن من توجيه ضربة جوّية قاصمة، وبلا تكلفة للمنشآت النووية الإيرانية. كانت كونداليزا رايس أشرس في الانحياز للعدوان الصهيوني على لبنان، بقدر شراسة ابنها البارّ أنتوني بلينكن، في التأييد الكامل لوهم إسرائيل في الحصول على غزّة جديدة بلا "حماس"، وبلا "جهاد إسلامي"، وبلا مقاومة من أيّ نوع. وما زال تصريح رايس التاريخي، الذي تنصح فيه العسكريين الإسرائيليين بضرورة التقدّم البرّي للقوات الإسرائيلية في جنوب لبنان، حتّى يمكن ربط الانسحاب الإسرائيلي بنشر قوات الجيش اللبناني مع القوات الدولية (يونيفيل) في الجنوب، ودفع حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، دليلاً على أنّ لبنان، بوضعه آنذاك، كان يمثّل العقبة الكبرى أمام انطلاق قطار الشرق الأوسط الإسرائيلي.
تضعنا تلك الشواهد كلّها مباشرة أمام صورة واضحة لمعادلات اللحظة الراهنة، فمن ناحية واشنطن وتل أبيب، تبدو العملية الهمجية في غزّة ورفح والتلويح بامتدادها إلى الأراضي اللبنانية استكمالاً لمشروعٍ قديمٍ بات من مرتكزات السياسة الأميركية الإسرائيلية في المنطقة، لتدمير كلّ احتمالات وجود مقاوماتٍ عربيةٍ تُعطّل الاندفاع المشترك، بين النظام الرسمي العربي والكيان الصهيوني، نحو صياغة الشرق الأوسط كما تريده واشنطن.
ومن ناحية النظام العربي، كما ترى، لا ردّة فعل هناك على التصعيد غير المسبوق في الجبهة اللبنانية، غير أنّ هذا الصمت أفضل كثيراً من الكلام، إن كان سيأتي من قاموس العرب الرسميين في العام 2006، حين دانوا حزب الله لأنّه يقاوم بأكثر ممّا دانوا إسرائيل لأنّها تعتدي وتهاجم، وهو ما تجده بتفاصيله، كذلك، في المواقف من العدوان على غزّة.