لا يجب حرمان أفغانستان من المساعدة
تواجه أفغانستان كارثة إنسانية بعد الزلزال الذي ضرب المنطقة الوسطى فيها، وتسبب في مقتل 1500 شخص، وإصابة ما يزيد عن ألفي شخص في حصيلةٍ غير نهائية، من دون طبعاً الحديث عن الدمار الواسع الذي طاول المنطقة.
ما يجب التوقف عنده ردود الفعل المحلية والدولية على الأزمة. صحيحٌ أن حركة طالبان التي تحكم البلاد منذ أغسطس/ آب الماضي غير مسؤولة عن الزلزال، لكنها بطبيعة الحال مسؤولة عن إدارة الأزمة بعده. والمكابرة في أوقات الكوارث الطبيعية لا تُجدي نفعاً. فعلياً، لا تنتج سوى مآسٍ إنسانية. وترجمة ذلك أن المفقودين الذين لا يزالون تحت الأنقاض تتضاءل فرص العثور عليهم أحياء، أو حتى انتشال جثثهم. وذلك كله يقود إلى نتيجة واحدة، أن عدد الضحايا سيكبُر.
ولأن الحركة تدرك جيداً حدود إمكاناتها، تولّى مسؤولون فيها الحثّ على زيادة تدفق المساعدات إلى المنطقة المنكوبة، بغض النظر عن صيغة الطلب، وما إذا كان عبر الإعلام أو من خلال طلب رسمي. والأهم أن الحركة منحت الوكالات الإنسانية إمكانية الوصول إلى المناطق المتضرّرة. وبالتالي، فعلت "طالبان" ما عليها في هذا الجانب على الأقل رهاناً. تبقى متابعة حجم التسهيلات التي ستقدّمها، وما إذا كانت ستفرض أي قيود لاحقاً.
لكن الأهم رصد مدى الاستجابة الدولية لهذه النداءات في ظل العقوبات والعزلة المفروضة على الحركة، ورفض الاعتراف بها دولياً. حتى اللحظة، توحي التصريحات، تحديداً الصادرة عن المنسق الأممي للشؤون الإنسانية في أفغانستان، رامز الأكبروف، أن المهمة ستوكل إلى تركيا، لأن "الأمم المتحدة لا تملك قدرات البحث والإنقاذ في أفغانستان"، ولأن تركيا هي "أفضل" من يمكنه توفيرها بحسب ما نقل عنه.
لا يجب أن يكون هناك أي أعذار تحول دون تقديم كل دعم إنساني ممكن وعاجل للمتضرّرين من الزلزال. وبشكل أدقّ، لا يجب معاقبة الأفغان بسبب حركة طالبان. مع العلم أن تجارب عدة في العالم أثبتت أن العقوبات الدولية تؤدّي إلى وضع عراقيل أمام الاستجابات الإنسانية الطارئة في أوقات الأزمات. وبطبيعة الحال، يزداد الوضع سوءاً عندما تكون العقوبات تشمل، كما هو الحال في أفغانستان اليوم، تجميد حساباتٍ بنكيةٍ رسميةٍ بما في ذلك نحو تسعة مليارات دولار وقيود على التعاملات المالية.
ما تحتاجه أفغانستان اليوم تذليل أي عقبة محلية أو دولية تؤخّر عمليات الإنقاذ وتأمين الإيواء والرعاية الطبية والغذاء وباقي الاحتياجات الأساسية. بلغة الأرقام، ومنذ ما قبل الزلزال، هناك 24 مليون شخص في هذا البلد بحاجة للمساعدة، أي أكثر من نصف عدد سكانه. ومن بين هؤلاء يوجد تسعة ملايين مصنّفين أنهم معرّضون لخطر المجاعة. وتوصف الأزمة في أفغانستان بأنها من أكثر الأزمات الإنسانية تدهوراً في العالم. لكن المؤشّرات هذا العام حول حجم المساعدات لم تكن مشجّعة، فعندما أطلقت الأمم المتحدة مطلع العام الحالي خطة الاستجابة الإنسانية الخاصة بأفغانستان لتوفير نحو خمسة مليارات دولار لمساعدة الأفغان في الداخل والخارج، لم تستطع تأمين سوى 9% فقط من حجم التمويل المطلوب، على الرغم من أن الأمم المتحدة والولايات المتحدة منحتا استثناءاتٍ من العقوبات لضمان استمرار المساعدات.
وإذا كان التراخي في الاستجابة طوال الفترة الماضية يجد له مبرّرات في معاقبة "طالبان" في ظل رفضها التجاوب مع المطالب الغربية واستمرار تعنتها في ما يتعلق باحترام حقوق الإنسان، وخصوصاً حقوق المرأة ومنع تعليمها، وعدم تشكيل حكومة انتقالية جامعة، فإن ذلك يفترض أن يتوقّف في هذه اللحظة، لأن من يدفع الثمن هم الأفغان، وهناك ما يكفي من الآليات الممكنة لضمان مساعدتهم من دون أن يصبّ ذلك في رصيد "طالبان".